السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الهروب إلى الأمام (فلسفة التفقير)

المصدر: النهار
عمار الحيدري
الهروب إلى الأمام (فلسفة التفقير)
الهروب إلى الأمام (فلسفة التفقير)
A+ A-

إِبَّان الاستعمار ثارت الشعوب الحرة في كل مناطق الكوكب الأرضي على المستعمر الذي كان ينظر إلى الأوطان المحتلة كجزيرة الكنز التي يحق للمُحْتلِّ نهْب خيراتها.

وكان ينظر إلى سكانها الأصليين كعبيدٍ خُلِقوا لخدمة “السادة” المستعمرين بمنتهى الخضوع والطاعة.

غير أن الأحرار في العالم قاوموا الاستعمار من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل الكرامة سيحتجُّ الأحرار دائماً ضد العبودية وضد التفقير، لأن التفقير يعني الحرمان، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الحرية في غياب “العدالة الاقتصادية"

فلسفة التفقير والإفقار فلسفة الأنظمة الديكتاتورية.

الفقر منتشر بشكل واسع في العالم العربي بسبب هيمنة الأنظمة الديكتاتورية العربية.

فهذه الأنظمة تستخدم الفقر كأداة لقمع شعوبها، فرغم أن عالمنا العربي غني بموارده الطبيعية وطاقاته النفطية والبشرية، ما زال عالمنا فقيراً إلى أقصى حد.

من هنا، وعلى أساس أن عالمنا العربي غني في موارده البشرية والطبيعية، التفسير الوحيد هو أن الفقر فلسفة أنظمتنا العربية الديكتاتورية ومنهجها.

إن تقريب الأنظمة للمتملقين والمنتفعين والمنبطحين الوصوليين، وإبعادها لذوي الكفاءات والاستحقاقات، أفضى إلى استفحال الفساد في كل المؤسسات، وتفاقم الأزمات، أزمة التعليم، أزمة الصحة، أزمة السكن، أزمة العمل، أزمة العنف الأسري، أزمة التربية...

وربيع ثورات الشعوب الحرة، سواء اعتبره البعض مؤامرة أجنبية، أو أقَرَّ آخرون بأنه نتيجة حتمية للوضع المأزوم، فإنه شكّل ثورة ضد غياب العدالة الاجتماعية والرغبة الجامحة في العيش الكريم.

إن هيمنة الفساد في “الأنظمة المتعاقبة” وغياب الإرادة الحقيقية لاجتثاثه.

فالفساد لا يحارب بأدوات فاسدة، بل بتطهير الأنظمة من المفسدين، ما يدفع الشعوب إلى الانخراط في “الثورات البناءة”، ثورات على الذات والنفس المتخاذلة والمرتهنة لوهم الانطواء تحت عباءة "الزعيم" و"الطائفة".

فالهدف من سياسة التفقير هو إجبار الناس على الخضوع للسلطة، لضمان لقمة العيش، بل غالباً ما تكون لقمة العيش هذه على حساب الشرف والكرامة، أو على حساب حرية الانسان (وهي الحالة السائدة الآن)،إذ لا داعي للاستغراب، لأنه لا يوجد ما يمنع من اندلاع الثورات حين تجوع الشعوب، وتضيق بها سبل العيش.

ولما كانت الأنظمة مسؤولة عن كرامة عيش الفقراء والأغنياء على حد سواء، يتعين عليها أن تضمن للجميع كرامة العيش، فلا يجوع فقير عندها، ولا يخشى غني على نفسه من غضب وحقد الفقير. ولا يجوز للأنظمة أن تتخذ مصادر الرزق أو موارد الدولة كوسيلة من وسائل الضغط على الناس، لإجبارهم على التنازل عن كرامتهم وتحويلهم إلى عبيد رعاع، واستلاب حريتهم وتحويلهم إلى أتباع "لولي النعمة" الذي قد يكون نظاماً حاكماً أو حزباً سياسياً.

إن الفقر في بلادنا ليس قدراً، كما أنه ليس ناتجاً من البيئة وطبيعة أوطاننا، بل هو ناتج من السياسات المتبعة من قبل الحكومات التي فشلت في تحقيق التنمية التي من شأنها إيجاد القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية التي توفر الحد الأدنى من الكرامة، ذلك لأن الفقر يمثل نوعاً من العبودية لغير الخالق، ولهذا وجدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) يستعيذ منهما معاً: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)، فحذار من غضب الشعوب عندما يهب إعصارها، لأنه لن يتوقف إلا بإزاحتهم، عندما يصبح الشعب مصدر الدخل الوحيد لضخ المزيد من الأموال، في جيوب شريحة صغيرة من الطبقة المتنفذة من جيوب أشخاص يقضون أعمارهم في الخوف من العوز، وعدم الاستقرار، أو غارقين في ديون بفوائد مرتفعة، تقض مضاجعهم إلى آخر سنوات عمرهم، وما لم يتم التراجع عن هذا التوجه المحفوف بالمخاطر، فإن الأمور ستسير لا قدّر الله إلى ما لا تحمد عقباه .

لذلك، فإن أفضل وسيلةٍ للدفاع هي الهجوم وليس التقوقع، لأن تراكم الفشل تلو الفشل عبر حقباتٍ وأجيالٍ سبقت قد أرخى بكل ثقله اليوم على كاهل الأبناء والأحفاد.

فإن كان لا بد من تغيير جدي وحقيقي فالأَولى المضي إلى الأمام لا العودة لأمجاد الماضي وسيرة بطولات الأجداد؛ فعلينا القيام بردة فعل ما، لعل تحريك الماء الراكد ينتج شلالاً هادراً.

وأختم بقول الله تعالى: (إن اللهَ لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم