السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

إلى الذين تاهوا في طريق الحب

المصدر: النهار
سارة برجاوي
إلى الذين تاهوا في طريق الحب
إلى الذين تاهوا في طريق الحب
A+ A-

أبحرت في استكشاف أقاصيص الغرام متعمقة في أحاديثها المتداولة، فوجدتها بحالاتها المختلفة، الغامضة منها والسلسة، الدافئة منها والباردة، الجافة منها والمشوقة، الجميلة منها والمتأرجحة في وديان المخاطر تهبُّ عاطفة حينا وتقصف جروحًا لا تلتئم أحياناً أخرى.

لم أكتفِ بمراقبة هذه الأقاصيص من بعيد، بل رحت ملتمسة إياها، مستمعة إلى حكايات الشابات والشباب، شاهدة على كل تفاصيلها بشغف وصدق، محاولة في كل مرّة أن أفهم شيئاً جديداً وكأنني أقرأ كتاباً ثميناً ضاعت عناوينه وأحاول استرجاعها وتوضيب تفككها القائم بلا سبب.

في رحلتي هذه، عايشت أحداثاً متشابكة لشخصيات غير عاديّة! من هذه الشخصيات، شابات جميلات ولكنّهن غريبات في آن معاً، قويات بحسب الظاهر وضعيفات عند أوّل اختبار. يبكين تارة ويضحكن تارة أخرى! وإن سألتهنّ عن السبب يقلن: "لا ندري". ينفعلن فجأة، تعلو أصواتهن ومن ثمّ تنخفض. ترتجف أيديهن ومن ثم تجمدُ. يزيد حماسهن تلقائياً ومن يخمد! وهذا هو الحال وفق الوضعية نفسها. تظنهنّ معقدات أو مركّبات الشخصية نظراً لعدم الاستقرار النفسي الذي يشوب حالهن، ولكنك تدرك لاحقاً أنّ هذا هو واقع بعض النساء المعرضات للخيانة بعد طول فترة حبّ تذوقن فيها مرارة الألم في حياتهن!

بحثت في جهات أخرى من الأقاصيص، علّني أجدَ فيها أحداثاً أقل وجعاً من التي سبقتها. ولكنني عبثاً لم أعثر إلا على ما هو أكثر بؤساً وحزناً عند النساء بشكل خاص.. فهناك من تزوجت رجلاً لم تحبه يوماً ولكنها لجأت لذلك كي تخرج من متاعب حبّها الأوّل. وهناك من عانت من طول انتظار محبوبها وهو في بلاد الغربة تحترق شوقاً كل يوم للقائه لتعلم لاحقاً أنّه لم يعد يحبها فجأة وهي التي أمضت عمرها ترفض من يتقدم إليها أملا بعودته إلى ديار بلده. وهناك من أحبت رجلاً ضائع المشاعر والأحاسيس لا يعلم إن كان يحبها حقيقة أو ما زال معلقاً بذكريات الماضي التي عجز عن تجاوزها. وهناك من أحبت وكانت وفية لمن أحبت رغم فراق الموت الذي أبعد شريكها عنها ولكنها صانت الوعد بأن تبقى مرتبطة به معنوياً حتى لو لم تعد تراه مجدداً.

سألتُ نفسي إن كان هذا هو الحال عند النساء، فكيف به عند الرجال؟ فرحت متعمقة بسير بعضهم، فرأيت فيها المخلص والكاذب، العاطفي والمرتبك، الحنون والجبار، المنافق والصادق، المتلاعب والطيب! أدركت في الوقت عينه أنّ منهم من يتعذب ويتألم بسبب فشله بالحب بدرجات تتخطى حالات النساء حقيقة. فوجدت من يطيل في ساعات عمله كي لا يتيح لنفسه وقتاً للتذكّر. ورأيتُ من يُؤذي الشابات اللاتي ليس لهن أي علاقة بتجربته الأولى الأليمة، ولكنه يتعمد على ترجمة غضبه عليهن لأنه يرى فيهن صورة حبيبته السابقة. وصادفت ذلك الذي يبحث عن شبيهة معشوقته التي لم تكن من نصيبه يوماً، فرأيته تائهاً مراقباً الوجوه علّه يرى مثيلاً لوجه محبوبته الأولى ليُرشد نفسه إلى طريق الحب مجدداً. وتعرفت على من عاش حياته بلا زواج وفق قرار اتخذه بسبب امرأة!

وغيرها الكثير الكثير من الأقاصيص التي كنت أتعجب في كل مرّة من مضامينها المتقلبة والمتخابطة، وكنت أقنع نفسي دائماً أنني المخطئة وأنني لا أرى جيداً لأنني لم ألامس فيها الحب الحقيقي فعلاً أو ربما لامسته ولكنه لم يكن مكتملاً!

فأين الحب الحقيقي بين كل هذا؟ أين طريقه الذي ضاع فيه الكثيرون ولم يدركوا منه إلّا الحفر، لمَ لا يعود منبسطاً كالسابق نمشي فيه بطمأنينة دون أي قلق؟ لمَ لا يعود نظيفاً مشرقاً ليس فيه أي خبث كما يصوره البعض؟

لعلّ البعض ظنّ أنّه قادر على تشويه صورة الحب، ولكّنه حقيقة لم يعلم إليه سبيلاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم