السبت - 04 أيار 2024

إعلان

قرى في العناية المشددة والدولة ترفض الانعاش!

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
قرى في العناية المشددة والدولة ترفض الانعاش!
قرى في العناية المشددة والدولة ترفض الانعاش!
A+ A-

ينصبُّ الاهتمام على بيروت منذ عقود ورغم ذلك تفتقد العاصمة أساسيات من كهرباء وماء وطرق ونظام، ولكنها تبقى ست الدنيا التي نخبر قصصها أينما سافرنا في دول العالم. ولكنَّ بيروت لا تختصر لبنان وقراه النائية والمحرومة على الرغم من مساحة هذا البلد الصغير وقرب المسافات. فعلى بُعد 3 ساعات أو أقل هناك قضائي الضنيه وعكار المحرومين على الأصعدة كافة. قد نستمع إلى قصص الناس عبر شاشات التلفزة، وقد نتأثر للحظات بمعاناتهم، إلاَّ أنَّ زيارة هذه القرى تؤكد أنَّ أنينهم لا يختزل الوجع الكبير الذي تعيشه مناطقهم جراء غياب الإنماء وانتشار الحرمان.


النفايات تطمر جمال المنطقة


قرية من قرى قضاء عكار في محافظة الشمال تتميز بالأنهار الجارية والشلالات الجميلة والمناظر الطبيعية. هي منطقة عيون السمك التي تضمُّ بحيرة كبيرة على مساحة 50 ألف متر غنية بالمياه العذبة سابقاً بين الجبال المحيطة، وفيها محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالمياه. هذه المنطقة الجميلة التي تنتشر فيها منتزهات ومطاعم متواضعة. يبدو جلياً أنَّها تعاني من الإهمال والتقصير المتراكمين منذ سنوات طوال رغم احتوائها خيرات وثروات طبيعية تستحق الاهتمام. طريقها وعرة ضيقة ومحفوفة بالمخاطر، لا تتّسع لسيارتين، فقد تخاطر بحياتك قبل الوصول إليها، فكيف بأهالي القرى المجاورة التي يقصدونها. السكان يطالبون الدولة اللبنانية باعتمادها محميّة سياحية، ولكن كيف ذلك والوادي القريب من البحيرة تتصاعد منه روائح بشعة تزكم الأنوف. فعندما تنظر إلى أسفل الجبل تتأكد أنَّ هذه المنطقة الرائعة باتت مكباً للنفايات عوضاً من الاستفادة منها وتشجيع السياحة الداخلية إليها. عكار مش مزبلة وتستحق أن يتم الاهتمام بها، ولكن يبدو أنَّ الحكومات المتعاقبة ووزراء ونواب المنطقة قد تخلّوا عن منطقتهم ظناً منهم أنها خارج حدود الـ 10452 كيلومتر مربع.


نسأل رئيس اتحاد بلديات الضنية محمد عبد السلام سعدية عن حال المنطقة الصعب، فيجيب في اتصال مع "النهار" أنَّ "نواب المنطقة يهتمّون بالسياسة لا بالإنماء، وعلى الرغم من أنها تحوي أغزر المياه إلا أنها تفتقد للبنى التحتية، إضافةً إلى تحول هذه المياه إلى ملوثة. البحيرة باتت تجمّعاً للمياه الآسنة والمجارير التي صارت تصبّ فيها جراء غياب الشبكات الأساسية للصرف الصحي. منذ عشرين عاماً، أجرى اتحاد البلديات دراسة عن أوضاع المنطقة، والتعديل الأخير حصل منذ مدَّة، ولغاية الآن ما من أحد يفكّر في تلزيم الأشغال للبدء بتحسين الأحوال. إلى ذلك، الحالة البيئية مزرية جداً، واتحاد البلديات لا يحصل على ما يكفي من عائدات للقيام بمشاريع تنموية تغطي كافة احتياجات المنطقة. نحن مغيّبون تماماً عن اهتمامات الدولة، خصوصاً في ما يتعلق بالطرق، إذ تمَّ تزفيت الخط الذي يربط القبة بطرابلس – سير الضنية في حين أنَّ الطرق الداخلية غير صالحة للسير. أما محطة الكهرباء 60 كيلوفولت التي تمَّ تلزيمها في عهد الرئيس إميل لحود، لا نعرف متى تصبح قادرة على العمل لإنارة المنطقة المحرومة. وتبرز أزمة النفايات التي تُرمى في مكبات عشوائية نظراً لافتقاد منطقة عيون السمك إلى بلدية. ويبدو أنَّ هناك توجهاً لإبقاء المنطقة على ما هي عليه!"


بخعون... هل تتحقّق الأحلام


ننتقل إلى بخعون كبرى بلدات قضاء الضنيه، التي تضمُّ أجمل المناظر الطبيعية إضافةً إلى قصر للأحلام يطغى عليه الجمال والفن. جهد فردي بذله المرحوم محمد علي هوشر في منطقة بخعون، حين حوَّل حلمه إلى حقيقة، ببناء منزل يُذكرنا بعالم ديزني حيث يضمُّ المكان أعمال فنية وزخارف ومنحوتات. يمتدّ القصر الذي يتكوَّن من طابقين مغطيَّين بالموزاييك والأحجار الملونة على مساحة 5200 متر مربع مبنية بمختلف أنواع الأحجار، كالعقيق اليماني والغرانيت الملوّن والصوان. الفكرة بدأت بإقامة منزل صغير لتتطوّر وتتحوّل إلى تحفة فنية أطلق عليها اسم "قصر الأحلام". المواد المستعملة في البناء كلها من حجر ملح القاق "الأونيكس" الذي يتميز بتوهّجه الدائم مع أشعة الشمس. وفي ضوء القمر، تتحول ألوانه كألوان قوس قزح، إضافة، إلى أحجار الصوان والغرانيت والأحجار الملونة ذات النقوش العديدة.


تستعيد لحظات من طفولتك فور رؤية المنحوتات من حولك، فمن العربات المختلفة الأشكال، والإبريق الكبير، والأقواس المحيطة بالمنزل إضافةً إلى المقاعد الحجرية، إبداعات لا تكفيها الكلمات حقها. تخبر ابنته في حديث لـ"النهار" أنَّ "صاحب القصر محمد علي هوشر بدأ ببناء القصر منذ ما يقرب من الثمانية عشر عاماً، حفر الأرض راغباً في بناء منزل غريب وفريد من نوعه، فوجد حجارة من الأرض ذات أشكال وتصاميم جميلة عندها قرر تحقيق حلمه في بناء هذا القصر. ذكر والدي خلال بدئه بالإنشاء أنَّ الكلفة ستصل إلى المليون دولار ولكنها تخطّت هذا المبلغ نظراً إلى كثرة القطع وتنوعها، التي استغرق العمل عليها أشهرًا. بعد وفاة المالك بدأ العمل يسير ببطء بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وضيق الوقت. توقفنا عن العمل لثماني سنوات، لكننا وجدنا أنه من الضروري الاستمرار، ولكن من المقرر أن نعيد إكمال المنحوتات عبر البدء بتشييد السور المحيط بالقصر وإنشاء حديقة".


هل من رسالة إلى الدولة اللبنانية؟ تجيب: "نحن نطلب من الدولة الاهتمام معنوياً بهذا المنزل والسماح للبلدية بالعمل عبر تزفيت الطرق ووضع اليافطات للاستدلال على المكان. كما نطلب من وزارة السياحة أن تلتفت إلينا أيضاً وتشجع السياحة الداخلية إلى المناطق البعيدة مثل منطقتنا".


 


إيلاء البلدات والقرى البعيدة الاهتمام يجب أن يكون من ضمن أولويات الحكومة اللبنانية والوزارات المختصة، من وزارتي السياحة والبيئة، مروراً بوزارة الطاقة والمياه إضافةً إلى وزارة الأشغال من خلال العمل على توسيع الطرق وترميم وتأهيل البتى التحتية، وعدم إهمالها كما بقية المرافق السياحية لئلا تبقى هذه المناطق محرومة.


 


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم