الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الفكر الشّموليّ في الثّقافة العربيّة

المصدر: النهار
العربي الحميدي- المغرب
الفكر الشّموليّ في الثّقافة العربيّة
الفكر الشّموليّ في الثّقافة العربيّة
A+ A-

"المفكّرون العرب يكتبون في مجتمعاتهم بلغة أجنبيّة ولا يتركون مجتمعاتهم تتكلّم عن نفسها باللّغة العربيّة"

للمطران كبوتش (مطران القدس)

أحاول فهم ما يخفيه هذا الرأي المبطّن، مع انتظار الجواب من مجهول، في زمن عربي رديء، ومحيط مكبّل، إن لم يكن محنّطاً بفكر طفولي متشبع برضاعة التخلّف!

إذا كانت اللغة عبارة عن مجموعة من الإشارات والرموز فهي إذاً تشكّل أداة للتواصل والمعرفة وتبادل الخبرات بين الأفراد في جلّ المجتمعات. فالتفكير يصاغ دوماً في قالب لغوي أياً كانت رموزه.

إن المطران ومَن يدور في فلكه، أو مَن هو في مجرى فلكهم، لم يستوعبوا بعد دور اللغات في تقريب المفاهيم قبل تناطحها.

هل الدول المغاربية دول عربية؟ الجواب بالتأكيد ليست عربية.

إن صراع الهويّة المُعاش فيها في هدوء أحياناً وصاخباً أحياناً أخرى، يجعلني أتساءل بأي لغة يجب التعبير في مجتمعنا المغاربي الذي لا يحق لأي أحد فيه أن يستفرد به لهويته. هل علينا التعبير باللغة العربية أو الأمازيغية؟

المفكّر المغربي أحمد عصيد الأمازيغي، وهو الكاتب والشاعر، مثلٌ يتحدّى

به في مجال الكتابة باللغة العربية.

من وجهة نظر حرّة، لكل فرد الحقّ في التعبير بأي شكل من أشكال الرموز المفضّلة إليه.

وإذا بحثنا في تاريخ الشرق الأوسط، هل الدولة العراقية والسورية جميع شعوبها عربية؟

أليس من حقّ الأكراد وباقي (القوميات) أن تعبّر عن مجتمعاتها بلغتها الأمّ؟!

إن رأي المطران شموليٌّ، يذكّرني بعهد الاتحاد السوفياتي الذي حاول طمس لغات الدول المنضوية تحت لوائه.

إن الرغبة في مواصلة الاستمرارية في إزاحة باقي اللغات واللهجات، هي بمثابة ثورة وانقلاب على الخصوصية اللغوية لأي شعب، وترسيخ الانزواء والانكفاء.


أليست اللغات التي تسمى بـ"الحيّة" سلاح المثقّف العربي للتعبير وشرح القضية الفلسطينية ومعاناة الإنسان الفلسطيني من الاحتلال، أحسن وسيلة للتعريف بقضايا المنطقة العربية وشمال أفريقيا؟


إذا كانت الأصالة هي عدم البحث عن الجذور والدعوة للاستسلام واستعادة الجمود الفكري واللغوي، فهي ضارّة بالمجتمعات العربية. أعتقد جازماً أن عدم وصول نهضتنا إلى التنوير هي البيئة المعوقة للفكر العربي والبنية المتهالكة والمنغلقة التي تحاول قتل كل ما هو جديد، ومحاربة تجديد كل ما هو قديم.

وهنا سوف أعطي الأمثلة للمثقف المغربي ودوره في طرح القضايا المغربية بلغات مختلفة.

يعدّ محمد زفزاف وعبد اللطيف اللعبي أحسن دليل على التنوع اللغوي الذي ساهما به لإيصال معاناة الإنسان المغاربي والعربي على حدّ سواء. فقصيدة (بعد الخريف) التي ترجمتها روز مخلوف تعدّ روعة في الكتابة والتعبير عن المعاناة لعبد اللطيف اللعبي. وقصة (هل تذبل الأزهار) لمحمد زفزاف هي الأخرى نوع من تعرية الواقع الذي عاشه المفكر المغربي مع السلطة في وقت من الأوقات.

لقد انتهى زمن الكبت اللغوي، ولا يليق بمجتمعاتنا أن تسير على طريق الانفعالات الصبيانية في الاختيارات والمناهج التربوية والمعرفية؛ إذا أردنا الإسهام في الإنتاج الإبداعي المميز، وجب عدم وضع الاستفهامات الأدبية الخاطئة. لم يعد هناك وقت للانبطاح. إن الأصالة قد أصبحت شائخة، وفرض التعبير باللغة العربية أصبح متجاوزاً لأن الدول التي تلقَّب بالعربية، شعوبها حديقة من الفسيفساء العرقية، وللكل الحق في التعبير عن المجتمع الذي يعيش فيه باللغة المتاحة والمتناغمة، مع شعوره لإعطاء صورة غير مشوّشة للقارئ أيّاً كان.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم