السبت - 11 أيار 2024

إعلان

نموذج المساعدات الإنسانيّة البائد

لين زوفيغيان
نموذج المساعدات الإنسانيّة البائد
نموذج المساعدات الإنسانيّة البائد
A+ A-

النقص في التمويل هو السبب الأبرز الذي يحول بين البرامج الخيريّة والإنسانيّة وبين تخطيطها لتحظى بأحسن فرصة للفعّاليّة والتأثير. في الوقت الذي تُعِدُّ برامجُ الإغاثة الطارئة وميزانيّاتُ الحكومات المانحة العدّةَ للانتشار الطارئ والمستعجل، قلّما يأخذون بالحسبان المقوّمات اللّازمة لزراعة بذور التأثير المستديم المستقبلي.

أٌنظروا إلى أزمة اللّاجئين الدوليّة، تأمّلوا في أزمات الشعوب النازحة جرّاء الحرب والمجاعة. هل أَنجزت ميزانيّات الحكومات المانحة أهدافها؟ هل استطاعت هذه الميزانيّات أن تحوّل الأزمات التي بين أيدينا من حالات طارئة إلى بيئات مستقرّة وتحت السيطرة؟ هل مهّدت الظروف الحاليّة لمجيء دفعات تمويل جديدة تحلّ مكان المعونات الطارئة؟ هل أمسى المجتمع الدولي أكثر قدرةً على استيعاب الأزمة المقبلة؟

في كلّ مرّة تقع فيها كارثة، نجد نفسها نجمع التبرّعات لرؤوس أموال ليست موجودةً ولا جاهزةً لتقدِّم خدمة سريعة وفعّالة. بينما تعمل جيوشنا على مبدأ أهبة الاستعداد، نجد استعداداتنا الإنسانيّة متدنيّة. علاوة على ذلك، نجد أنّ فقرنا يتفاقم بسبب البيانات المتناقضة والمعطيات المنقوصة، ممّا يحرمنا من أيّ قدرة واقعيّة لتخطيط القرارات بشكل مدروس واستراتيجي. ليست عندنا أي ذخيرة لنجيب على الأسئلة المحوريّة: لماذا ومع ومن وبكم وإلى متى.

ولكي تروا بشكل أوضح منظر سجلّنا العملي، اعلموا أنّنا ممتازون في اختلاق حالة اعتماد عميق على شرايين حياة المعونة الإنسانيّة. المجتمعات التي احتاجت المعونة في بداية أزمتها لا تزال تحتاج هذه المعونة التي لم تعد متاحة لهم. ليس ذلك فحسب، فهذه المجتمعات بدل أن تجد نفسها تعزّز المفاهيم وتعمل على إرشاد نوع جديد من المعونات الإنسانيّة متعدّد الجوانب ومهيّئة للنمو، وجدت نفسها في منصب الدعاية والترويج لنفسها فقط لتبرّر حاجتها المستمرّة إلى الميزانيّة.

دولارات المناحين أصبحت محجوزة بشكل متزايد، ومؤلم، للذين يتحدّثون لغة المنظمّات غير الحكوميّة، وللأصوات المحليّة المكتومة في أحسن الأحوال مقعد زاوية على الطاولة. بيئة المعونات الإنسانيّة تمسّخت إلى منافسة تطرح سؤال: ما هي القضيّة الأهمّ؟ مسابقات الجمال في العلاقات العامّة هي التي تحدّد أيَّ المنح تذهب إلى أيّ قضيّة إنسانيّة. الأرقام - الأكبر أحسن – الصارخة بالاستعجال هي التي تقطع شوطاً أبعد.

بدل عقد الشراكات مع رؤوس الأموال، أصبحت المجتمعات تستجدي من أجل الدعم كي يسعفوا أنفسهم أينما قصّرت الجمعيّات الخيريّة، المؤسسات غير الحكوميّة الدوليّة، أو كان لوجودها ضرر أكبر من فائدتها. إنعدام رؤوس الأموال المرنة والمتوافرة هي الحلقة الأضعف. إلى متى سنستمر بالعمل على أساس سدّ الثغرات بدل تمكين الإزدهار؟

إنّنا نعمل في واقع أليم تأتي فيه البيضة قبل الدجاجة، وإن لم تكن فيه البيضة من ذهب لما فقست أبداً.

الشرق الأوسط موطن أزمة ترث أزمة. كيف لأزماتنا المتعاقبة أن تعلّمنا كيف نفكّر بطريقة مختلفة؟ كيف نتحدّث بطريقة مختلفة؟ كيف نستثمر بطريقة مختلفة؟ قد نكون مرتعاً للحرب والأزمات الإنسانيّة المزمنة الواقعة تحت رحمة التقلبات السياسيّة والاستقرار المتقلقل، ولكن ألسنا في آن الوقت مكتبة المنطقة لأعظم الدروس المستنبطة؟ المجال موجود للابتكار والابتداع.

إنّي أتحدّث عن تمويل ملتزم ومستثمر بشكل فعّال ومدعوم باستثمارات القطاع العام ومنظّمات إنسانيّة إقليميّة جديدة (على نقيض الهوس بأنّ العالميّة هي الأفضل)، مع مجتمعات مدنيّة محليّة ممكّنة.

لنطلق اسماً على نموذج الاستثمار وبناء الأمّة الجديد هذا: صندوق رأس المال المجتمعي.

إنّه مجتمعيّ لأنّ حجر الزاوية هو الإنسانيّة، فهي الأولويّة وهي التي وجب عليها أن تكون تحت تصرّف المجتمع لا أن تكون هبةً تمويليّة مشروطة له. إنّه برأس مال لأنّ الواجب أن نتعامل مع الموضوع بعقليّة استثمار، ركيزتها الإدارة والحوكمة التي تنأى بنفسها عن التعهّدات الدعائيّة والعجز التنفيذي. وإنّه صندوق بمعناه الإقتصادي لأنّه يستلزم آليّات عمل ذكيّة ومؤهّلة قانونيّاً للتقرير والاستثمار والاستدامة والولوج لأسواق رأس المال، ولكي تستقبها الحكومات المانحة والمؤسّسات الاستثماريّة والمستثمرون المجتمعيّون.

إنّي أحثّ زملائي المستثمرين المجتمعيّين وفاعلي الخير ونشطاء المجتمع المدني أن تنضمّوا إلى هذا الحوار وتشاركوا بآرائكم. عامودي هذا سائر شهر رمضان المبارك تحت تصرّفكم، ليكون منصّتكم في إبراز حكمتكم وقلوبكم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم