الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المرض الإجتماعي أخطر الأمراض في لبنان

المصدر: النهار
نبيل الجوهري
المرض الإجتماعي أخطر الأمراض في لبنان
المرض الإجتماعي أخطر الأمراض في لبنان
A+ A-

كثر الحديث مؤخرا عن أزمة اقتصادية-مالية يعاني منها لبنان، و كأنها وليدة الامس. فلبنان يعاني من افلاس اقتصادي منذ عشرات السنوات، وهو لا يعاني من ازمة مالية او اقتصادية مستجدة، اذ ان معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية تعتمد ميزانيات تفوق فيها النفقات حجم الواردات، بالرغم من مساوئ هذه البدعة الاقتصادية التي هدفها الاساسي جعل الدول مرتهنة للبنك الدولي و الجهات المانحة.

ان معظم اللبنانيين يعانون ازمات اجتماعية سيتم تقريبها من خلال امثلة حية، لا شك ان كل قارئ سيجد احداها على الاقل في ذاته او لدى من يحيطون به.

لا شك ان اهم اسباب المرض الاجتماعي الذي يتواقق عليها علماء الاجتماع هي تلك النفسية الناتجة عن الاكتئاب و الاحباط. و الامراض الاجتماعية هي من اخطر الامراض، اذ لا عوارض فردية واضحة لها، و انما تفرض نفسها و تقيّم من نتائجها، فليس هناك امكانية للتنبّه لها و معالجتها قبل تحقق الضرر الناتج عنها.

و أصل الامراض في المجتمع هو اليأس، و هو الشعور بالضعف امام سلطة الحاكم اذ تموت الروح المعنوية و يتم الاستسلام للفساد. و غالبا ما تستثمر السلطات المستبدة مرض اليأس لقهر شعوبها و العبث بالمصلحة العامة. و الانسان في المجتمع المريض اما يائس مستسلم و اما وصولي متملّق، و الحالتان مرَضِيَّتان توديان الى انعدام الحياة الاجتماعية الكريمة.

بالانتقال الى لبنان، وفي محاولة لتحديد اسباب الازمة الاجتماعية او المرض الاجتماعي، لا يخفى على احد ان اهم اسباب اليأس و الاحباط، و التي يصعب حصرها في مقال واحد و يصلح كل منها مادة دراسة منفردة، اتت مما يلي:

1- الفقر المادي لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، و شعورهم المستمر بالقهر وعدم قدرتهم على تأمين حياة كريمة لهم و لأفراد أُسرهم، فهم مشغولوا البال دوما بمتطلبات التعليم و الاستشفاء بل احيانا تأمين قوت يومهم. كما ان الكثيرين، للأسف، يسوقهم العَوَز الى صناديق الاقتراع بدلا من ممارسة حقهم وواجبهم في اختيار مَن يؤتمنون على ادارة البلاد.

2- مشاهدة من يجب ان يكونوا قدوة من معظم السياسيين و ذوي الشأن العام يتبارون بمخالفة القوانين و سلب المال العام و غيرها من الممارسات غير السويّة، التي تترك انطباعات مماثلة عند أفراد الشعب، تترجم بالتعدي على شبكة الكهرباء، و انتشار ثقافة الرشاوى و "الواسطة" في الحصول على حقوقهم.

3- مشاركة فاعلة لأصحاب السلطة في لبنان على مر السنين في ازالة الثقة بين اللبناني و دولته، فكم من مواطن يتهرب من دفع الضرائب و الرسوم و قد يكون الدافع غالبا عدم الثقة بمصير هذه الاموال ان سُدّدت.

4- علم اللبنانيين بأن الطبقة الحاكمة منذ سنوات هي أساس الفشل الاداري و الاقتصادي، و قصورهم عن التحرك خوفاً من البديل الذي قد يكون الأسوأ، و تقوقعهم حول تأمين حاجاتهم الاساسية في بلد لا يؤمن لهم ابسط. مكونات الحياة.

ناهيك عن ظواهر الانتحار و الادمان و القتل بسبب افضلية المرور، و الزواج و الطلاق لأتفَه الاسباب، كما الرشاوى و السرقات و عدم القناعة الناتج عن التأثر بما ينشر من انماط الترف في صفحات التواصل الاجتماعي، و التعصب الاعمى و الاستزلام الفارغ لرؤساء الطوائف او ما يسمى بالاحزاب. أليست هذه كلها علامات مؤكدة للمرض الاجتماعي؟

ولعل ما نشهده اليوم من تسارع لانقاذ ما يسمى بالازمة المالية هو للمحافظة على قدرة السياسيين تأمين القرص المسكّن لمواليهم بين الحين و الآخر، و سياسات التعويم الترهيبية المتبعة ما هي الا حلقات متقطعة من مسلسل الفساد المحلي التاريخي.

وفي المقلب الاخر، وحيث ان معظم السياسيين تمادوا في تجاهل العمل لتحقيق الصالح العام وفي زرع هذه الامراض في مجتمعنا، فقد لا يعلم هؤلاء أن هذه الامراض ستطالهم بنتائجها قريبا، فلا تخَف الا ممّن ليس لديه ما يخاف عليه. ان ايصال المجتمع الى الدرك الاسفل، سيُنبِت لا محالة، عاجلا او آجلا، حالة من الرفض لهذا القهر و التجاهل تشكل وعياً او بيئة حاضنة لردات فعل غالبا ما تترجم بعصيان و ثورات تستهدف أولاً مُسَببي المرض في الصميم. و لعل الانتخاناب الاخيرة كانت آخر محاولة للتسامح مع اقطاب السلطة و لامتحانهم الاخير من باب حسن الظن أو الخوف من التغيير لا أكثر، و الا فليس هناك من تفسير منطقي اخر لتجديد التوكيل لمَن لا تثق بهم. و الى السياسيين أُنهي، ان عباءة الحماية و استمرار الحكم يحيكها الشعب مجتمعا، و ليست العصبيات الفئوية او المظلات الخارجية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم