الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل مشكلة لبنان تكمن في الواقع الاقتصادي؟

المصدر: النهار
ماجد المقصود
هل مشكلة لبنان تكمن في الواقع الاقتصادي؟
هل مشكلة لبنان تكمن في الواقع الاقتصادي؟
A+ A-

جميع المتابعين للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، يدركون خطورة الأزمة التي يمر بها لبنان جرّاء تدحرج الدين العام بسرعة كبيرة نسبة إلى الدخل القومي. ويواجه الاقتصاد اللبناني مشاكل كثيرة لا مجال لذكرها الآن، تؤدّي في نهاية المطاف إلى هروب المستثمر نتيجة لانعدام الثقة.

والملاحظ في الآونة الأخيرة بأن الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بكافة تلاوينها يضربها الهلع، فلقد استفاقوا مؤخراً على هول الكارثة، وأيقن الكلّ أن انهيار المعبد سوف يكون على رؤوس الجميع، وأن "سيدر" ربما يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ الوضع من الانهيار أو تأجيله على المدى القصير. فالكل يعلم بأن الأموال هذه المرة لن تأتي بالصناديق الكرتونية إنما عبر قروض وشروط قاسية لكن محقّة طبعاً. المانح يضع الخطوط العريضة وتكمن العبرة في التنفيذ. وعلى ما أظن، أن أهل السلطة يعلمون أن هذا الحلّ هو مؤقت، ويأملون باستخراج الغاز الطبيعي من البحر لعل وعسى... ولكن حبذا لو يخرج أحد ليعلم الشعب كم مردود الدولة الصافي المتوقع سنوياً في حالات الانتاج القصوى. أنا شخصياً لا أتوقع الكثير مقارنة مع الدين الذي سيكون قد تخطى عتبة الـ١٠٠ مليار دولار عند استخراج الغاز.

سياسياً أيضاً، يلاحظ أن جميع الأطراف ملتفّة حول منطق الدولة وآلياتها، بدءاً من حزب الله الذي أُخرج عملياً من سوريا، فالملعب أصبح للاعبين الأساسيين، وهو يدرك أن الحصار المفروض على إيران له تبعاته المالية التي بدأت فعلياً. والرئيس نبيه بري لا يريد أن يختم حياته السياسية والبلد على شفير الإفلاس. كما أن الرئيسين عون والحريري يعتبران نفسيهما أمَّ الصبي وأباه. كما أن سائر القوى والأحزاب شحّ مدخولها، والدليل الانتخابات النيابية الأخيرة التي أثبتت أن لا أموال للدفع.

ما أودّ قوله بعد هذه المقدمة، يعبّر عن قناعة خاصة بأن المشكلة في لبنان، جزءٌ منها اقتصادي، أما الأساس فهو أعمق بكثير، والوضع الاقتصادي المتردّي ليس إلا نتيجة للعقلية العامة السائدة في المجتمع اللبناني.

هذا المجتمع الذي خرج من حرب أهلية طاحنة ويكاد يكون ثلث سكانه أو أكثر لم يعايش الحرب، ورغم ذلك لم يدرك هذا المجتمع حتى الآن أن الأوطان تبنى بهمم وسواعد أبنائها وعملهم المخلص وليس بسواعد اللاجئين، وتربّي أجيالها على قول الحقيقة وعلى قيم التسامح والعدالة واحترام القوانين، وعلى أيادي أمهات فاضلات وليس على أيادي خادمات مستقدمات من بلاد الفقر الآسيوية أو الأفريقية... تبنى الأوطان نتيجة لتحقيق أحلام الشباب بالتغيير وليس بإعلان الولاء والطاعة لرجال يقبعون في السلطة منذ عقود وفشلو في إدارة مقدرات الدولة. تبنى الأوطان بإبعاد رجال الدين الروحيين عن السياسة الدنيوية وألاعيبها القذرة وخصوصاً في لبنان، وعدم تدخّلهم قط لا في التعيينات ولا في الاقتصاد. فأين هم من لغة الأرقام؟!

تبنى الأوطان عندما يُنبذ ويُحاكم الفاسد ويشار إليه بالإصبع، لا بتشجيعه والاقتداء به. وعليكم أن تعلموا أن وطأة الفساد كالحرب عليكم، فيهاجر أبناؤكم لأن الفاسد يأخذ من طريق أبنائكم. نعم يا سادة، الشعب هو الذي يبني الاوطان. مَن المسؤول عن تلوث الهواء والبحر والأنهار؟ مَن المسؤول عن تشجيع الفاسدين في قراكم ومدنكم؟ من المسؤول عن الطبقية في مجتمعكم؟ من المسؤول عن التهرب الضريبي؟ لماذا تفضلون منطق العائلية والعشائرية في خياراتكم على الأقدر والأجدر؟! ألم تدركوا أن العالم تغيّر وأصبحنا في عالم آخر رقمي تكنولوجي واسع؟! لماذا تتأخرون في مواعيدكم؟ لماذا تسمحون لنوابكم بأن يلتفّوا على القوانين باسم الواسطة، ولماذا رواتبهم تساوي ٢٠ ضعفاً الحد الأدنى للأجور وهم مشغولون بتقديم واجب العزاء والمشاركة بالأفراح وتلبية العزائم والولائم؟ لماذا تهمّشون دور المرأة، ألا تدركون بأنها نصف المجتمع؟ لماذا تحرمون أبناءها من جنسيتها؟ ألا تعلمون أن الأوطان هي قطعة أرض وأناس يعيشون عليها ويتوارثون؟! كثيرة هي الأسئلة التي لا جواب لها سوى أن جزءاً منها تاريخي وثقافي.

وقبل أن أنهي كلامي، لدي اقتراح لمعالي وزير المال بما أنه يبحث عن الحلول لتخفيض العجز بالأرقام. هل تعلم يا معالي الوزير أنه يوجد في لبنان الصغير حوالي ٨٠ ألف خادمة مستقدمة يعملن ساعات طوال وبأسعار رمزية؟ لماذا لا تفرضون رسم ٢٠٠٠ دولار سنوياً على كل من يستقدم خادمة من الخارج؟ وبذلك تحصلون على ١٦٠ مليون دولار سنوياً، وهو قرار لن يصيب إلا الطبقة الميسورة لأنه بالعرف العالمي، فقط هم الميسورون من يستقدمون الخدم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم