الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

"الدمية" في "أحمر بالخط العريض" إنسانةٌ عظيمة

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
"الدمية" في "أحمر بالخط العريض" إنسانةٌ عظيمة
"الدمية" في "أحمر بالخط العريض" إنسانةٌ عظيمة
A+ A-

تحدٍّ جديد، ومغامرة أخرى من مغامرات المهنة ونجاحاتها، يخوضها #أحمربالخطالعريض ("أل بي سي آي") بجزءين، الأحد والاثنين، اليوم الأخير من السنة.

بعنوان "الدمية"- La Bambola، ينطلق #مالك_مكتبي في حلقتين، بموعد يتجدّد في وداع العام، ليرفع مجدداً المعايير التلفزيونية، ويؤكد على الفارق الجوهري بين الجدوى والقشور العائمة على السطح.

إنها الذاكرة، بآلامها الإنسانية وصورها التي لا تُمحى مع العُمر. عائلة فكّكتها القسوة، أو ربما سوء فهم المشاعر وتدخّل الظرف في الوقت غير المناسب. تحمّل محمد، ضيف مكتبي، مسؤولية أخواته الأربعة وهو في عمر الثامنة. قسوة الأب، وابتعاد الأم، جعلاه نبع حنان العائلة المؤلفة من شقيقه عبدالله وشقيقاته رلى وريم وفرح. بكى أمام مكتبي، مستعيداً ذكريات مُرّة، هناك في المنزل الذي لم يعد منزله، في زواياه، في أصواته وصمته، وكلّ أيامه الباردة.


كأنه فيلم سينما ( الجزء الأول -إخراج ميشلين شحود)، يتنقّل مكتبي بين الأب حسن والأم هناء، رابطاً الأحداث، مفسّراً ما جرى. الحب الذي "شرقط" يوماً في قلبَي المراهقين، انتهى بفراق وجفاء ووجع عميق. مكتبي مرة أخرى في دور الطبيب الذي يداوي العليل. يفتح الدفاتر القديمة في محاولة لإعادة قراءتها. ويفتح الجرح محاولاً تضميده، أو إخضاعه للجراحة الذاتية. يستمع الى الطرفين، الى وجهتي النظر، متفاجئاً كعادته أمام التفاصيل، كأنه يتلقاها للمرة الأولى، ويطرح الأسئلة، كمن "ينكش"، ومن السؤال يولد سؤالاً، حتى يستريح الضيف، فيُخرج من أعماقه أحماله الثقيلة.

لكلٍّ جانبه من الرواية، يستعيدها من منظاره. مكتبي يصغي جيداً، والأهم لا يُحاكِم. هذه قصة الآباء الذين يأكلون الحصرم فيضرس الأبناء. وقصة الظرف حين يتحكّم بمفهوم "الصح" و"الخطأ". مَن الظالم ومَن المظلوم؟ مَن المُحقّ ومَن عليه الحقّ؟ الأب الذي سفّر بناته الى الخارج بذريعة أنه سيؤمن لهنّ حياة أفضل فتركهنّ لمصيرهنّ وداس على قلبه، أم الأم التي سلّمت الأولاد لأبيهم كورقة ضغط، فإذا به يقلب الطاولة عليها؟ في الحالتين، الجميع موجوع. الجميع يبكي. الجميع يلعن القدر.

مرّت السنوات والبنات غريبات عما جرى، يكويهن جرح الطفولة. نحو 24 سنة، وسائق التاكسي بين بيروت وطرابلس، الأب حسن، لا يزال على اقتناع بأنه لم يفعل سوى الصواب، ولم يُبعد بناته إلا من أجل خلاصهنّ. هي لحظة المواجهة مع الماضي، بأماكنه العتيقة وأصواته الحزينة، بما نتفاداه، ونخاف الاقتراب منه. في ذلك الشارع، حيث المنزل والذكريات، سأل حسن مكتبي: "مين في فوق؟ لا أريد العودة إلى الماضي"، ثم استدرك: "أثق بكَ وسأفعل ما تريد. كرمال ولادي رح اعمل كل شي"، وذرف دموعاً كثيرة.

مكتبي ومعه جورج موسى رئيساً للتحرير، وفريق عمل، يعلمون أنّ استمالة المُشاهد ليلة رأس السنة ليست شربة ماء، لا سيما حين يتعلّق الأمر بالعمق الإنساني في زمن الاستغلال والخواء والمواقف الساذجة. قصة هذه السنة تتركك حائراً، مع مَن تتعاطف؟ على مَن تُلقي اللوم؟ مكتبي يضع النقاط على الحروف بعدما جمع حسن وهناء للمرة الأولى بعد فراق سنوات، في الأعلى، في منزلهما القديم: "لستُ هنا لأجمع التضاد. ولا لأتكلّم على الرجل والمرأة، بل على الأم والأب". هما وجهاً لوجه، يجلس بينهما، حاملاً صورة الابنة الغائبة منذ سنوات. فجأة يتساقط الحجر الأثقل من أحجار الدمينو: الفتيات في إيطاليا، فرّقتهنّ الحياة، أحداهنّ حاولت الانتحار، ثم تزوّجت وأنجبت. كان اسمها رلى واليوم هي كارلا. كانت تتكلّم العربية واليوم تتقن الإيطالية. مراكب العمر رست في مكان آخر ولغة أخرى، لكنّ القلب لا يزال في بيروت، ينزف، يتساءل، وبتمرمغ بماضٍ لم يترك سوى الأسى. تلقّى مكتبي رسالة الابنة وأوجاعها، فأنهى الجزء الأول من الحلقة على طريقة "وصّلنا لنصّ البير وقطع الحبلة فينا"، ووعدنا بأنّ النهاية ليلة رأس السنة لن تخطر على البال، ومَن أدّوا أدوار البطولة سيتراجعون لمصلحة شخصيات جديدة. هذا هو مسرح الحياة، يختزله "أحمر بالخط العريض" بلحظات مكثّفة بين لبنان وإيطاليا، تلتقط الأنفاس وتترك ما عداها يعبر سريعاً. رحلة البحث عن الابنة رلى، هي رحلة التطهّر والشفاء ومدّ اليد للزمن بتقلّباته والعائلة والوطن. كانت حلقة "مقبّلات" دسمة صنعتها جهود ساطعة. الوليمة الإنسانية ليلة رأس السنة، ستترك اكتفاءً في الأعماق، فترتقي بالروح إلى العلا حيث أقصى المشاعر النبيلة.

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم