السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

كيف روى فؤاد شهاب ملابسات الانتخابات الرئاسية عام 1970؟

المصدر: "النهار"
Bookmark
كيف روى فؤاد شهاب ملابسات الانتخابات الرئاسية عام 1970؟
كيف روى فؤاد شهاب ملابسات الانتخابات الرئاسية عام 1970؟
A+ A-
بعد ربع قرن على غيابه يعود الرئيس فؤاد شهاب الى الذاكرة السياسية من خلال مناسبة بدأت "عائلية" ثم استحضرت اصواتاً عاصرت عهده واخرى تابعته، او درسته، والنتيجة كانت جملة امثولات استخلصت وجاءت بمعظمها شهادات له والباقي عناوين مستعادة لخطب وبيانات تعلن اليأس من النظام. لعلّ الرئيس شهاب هو الاوفر حظاً بذكراه بين الرؤساء الذين سبقوه والذين جاءوا بعده. فهو الوحيد الذي بقي من عهده ما يصلح للبحث والمراجعة والاختبار في مختلف التجارب السياسية والادارية والاجتماعية. وقد يكفيه ان يقال انه وضع الاساس لدولة المؤسسات التي استمرّت بعده، وان على عجز وخلل. وكلما طال الحوار وتوسّع الجدل واحتدم الخلاف حول تجربة فؤاد شهاب واسلوبه في الحكم ونظرته الى الادارة والاصلاح السياسي والديموقراطي كان ذلك تأكيداً على ان الرجل استطاع ان يخلق في البلاد تياراً يحمل اسمه بغير حزب ولا تنظيم. ولذلك لم يكن ممكناً لهذا التيار ان يبقى ويعيش لسبب بسيط هو ان ما كان يسمّى "النهج الشهابي" لم يكن سوى برنامج اصلاحي اداري اجتماعي في اطار من الادبيات الوطنية والاخلاقية من دون ان يرتكز الى قاعدة ترقى الى مستوى عقيدة او قضية تتخطّى بابعادها مفهوم الحكم. لكن ذلك "النهج"، على بساطته وعلى قصر مدى طموحه وضيق تطلّعاته المستقبلية، كان له تأثيره الايجابي الواسع والعميق في اوساط اجيال موزّعة في المجالات السياسية والادارية والثقافية والجامعية والنقابية وقد وجدت فيه تعبيراً رسمياً عن رفض عقلية الفساد واتجاهاً للتحرّر من الارتهان لسلطة الاقطاع والنفوذ المالي والطائفي. ذلك الواقع اللبناني البائس المنشغل بالمظالم والاهمال لاصحاب المؤهلات والكفايات والحقوق المشروعة والذين يتجنبون ذلك السعي الى الحصول على بطاقة توصية من زعيم سياسي او مرجع ديني جعل من النهج الشهابي حلماً يستحق الانتماء اليه، وهو حلم يجسّد حقاً طبيعياً من حقوق المواطن في اي بلد آخر يطبق مبدأ العدالة والمساواة امام القانون. وفي غياب هذا الحق الطبيعي في لبنان برز الرئيس شهاب ممثّلاً امل المحرومين في الرعاية والانصاف، وساعد على ذلك ان صاحب النهج جاء بعد حرب اهلية عجزت الاحزاب عن لجم ألسنة نيرانها الطائفية. ولم يكن المواطن القروي المنسيّ في المناطق النائية بعيداً عن تأثير موجات التيار الشهابي الذي وصل الى معظم تلك المناطق عبر اسلاك الكهرباء وانابيب المياه والآليات الزراعية التي راحت تشق الاراضي الوعرة وتستنبتها ارزاقاً تخفّف من عبء الفقر وتحدّ من إغراء النزوح الى المدن بحثاً عن العمل على مقربة من المدارس والمستشفيات. لقد اشعلت لمبة الكهرباء في بيوت الفلاحين والعمال في المناطق النائية "ثورة" ابتهاج وولاء للرئيس شهاب الذي اكتشف كم هو اللبناني الفقير طيب وعفوي ومتجاوب مع الدولة عندما تؤمن له حقاً مشروعاً. وبالنسبة اليّ شخصياً فقد كان مقال صغير كتبته في جريدة "الكفاح" العام 1960 اصف فيه شعوري وذهولي عندما رأيت للمرة الاولى لمبة مشعشعة في العريشة امام بيتنا في ضيعتي الشوفية البعيدة طريقاً الى مقابلة الرئيس شهاب في القصر الجمهوري في صربا. ففي اليوم التالي لصدور ذلك المقال فوجئت باتصال هاتفي يقول: "هنا القصر الجمهوري. لقد حدّد فخامة الرئيس موعداً لك يوم الثلثاء الساعة الحادية عشرة قبل الظهر. فالرجاء ان تكون هناك قبل ربع ساعة من الموعد". للوهلة الاولى لم اصدّق الاتصال الهاتفي. فانا لم اطلب موعداً لمقابلة الرئيس شهاب، ولم يكن يخطر في بالي ان اطلب مثل هذا الموعد الذي لم يكن يتيسّر لبعض الزعماء والنواب والسياسيين. ولم يسبق لي ان التقيت الرئيس شهاب. ولكن صباح اليوم التالي تكرّر الاتصال للتأكّد من الحضور فكنت في القصر في الموعد المحدّد. وعندما دخلت مكتب الرئيس وجدته واقفاً فبادرني قائلاً: "قرأت مقالك عن لمبة الكهرباء في ضيعتكم. اعجبني وصفك لشعورك عندما رأيت اللمبة، وطبعاً هذا شعور كل ابناء ضيعتكم وكل ضيعة تصلها الكهرباء. ويهمني ان اعرف ذلك. ولذلك طلبت ان اراك واتعرّف عليك ولاقول لك: شكراً...". والحقيقة اني في تلك اللحظات كنت مأخوذاً بكوني امام الرئيس شهاب ولم اكن اعرف الغاية من دعوتي الى القصر الجمهوري فقلت للرئيس كلمات قليلة خلاصتها: نحن الذين علينا ان نشكرك يا فخامة الرئيس. ثم تحرّك لديّ الحس...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم