السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

لماذا يواصل ترامب لهجته المزدوجة تجاه طهران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

قد لا يكون توصيف ترامب مفاجئاً لكثر بعدما تقدّم في 30 تمّوز الماضي بعرض للإيرانيّين كي يعقد لقاء قمّة معهم. على الرغم من أنّ الإيرانيّين رفضوا مقترح الرئيس الأميركيّ، عاود يوم أمس محاولة التودّد لروحاني. لكن حين ألقى كلمته في الجمعيّة العامّة، وصف ترامب إيران بكونها "ديكتاتوريّة فاسدة" ورأى أنّ النظام الدينيّ فيها يزرع "الفوضى والموت والدمار"، مطالباً العالم ب "عزله". وعن برنامج طهران النوويّ وسياساتها الإقليميّة قال: "لا يمكننا أن نسمح لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم بامتلاك أكثر الأسلحة تدميراً في العالم".

ليس واضحاً إلى الآن ما إذا كان هنالك رسالة أو هدف معيّن من وراء هذه اللهجات المختلفة التي يعتمدها الرئيس الأميركيّ إزاء إيران، وما إذا كانت تأتي بالتنسيق مع مستشاريه. لكنّ أغلب الظنّ أنّ أفكاره التي يذكرها عبر "تويتر" ارتجاليّة. حتى الدعوة التي وجّهها للإيرانيّين منذ شهرين جاءت ردّاً على سؤال إحدى المراسلات في البيت الأبيض، بما يرجّح أن يكون الرئيس الأميركيّ قد استرسل في إجابته. وفي جميع الأحوال، يمكن أن يتلمّس الإيرانيّون من خلال كلمات ترامب – خارج قاعة الأمم المتّحدة – مؤشّرات ولو ضعيفة إلى أنّ ترامب قابل للتراجع عن سياسته مقابل بعض التنازلات الإيرانيّة.


عرض ثمّ توضيح

في تمّوز، أبدى ترامب استعداده للاجتماع مع الإيرانيّين "من دون شروط مسبقة" و "متى أرادوا ذلك". كانت هاتان العبارتان لافتتين للنظر بما أنّهما صدرتا قبل أيّام قليلة على دخول حزمة العقوبات الأولى حيّز التنفيذ. إنّ ما أعطى كلام ترامب طابعاً ب "الخروج عن النص" هو اضطرار وزير خارجيّته مايك بومبيو حينها إلى الموافقة أوّلاً على كلامه قبل الاستدراك والتوضيح: "قلنا ذلك من قبل. هو يريد اللقاء معهم لحلّ المشاكل. إذا برهن الإيرانيّون عن التزام بالقيام بتغييرات جوهريّة، تقليص سلوكهم الخبيث، واستطاعوا الموافقة على أنّ الموضوع يستحقّ الدخول في اتّفاق نوويّ يمنع في الواقع انتشار الأسلحة النوويّة، عندها قال الرئيس إنّه مستعدّ للجلوس والنقاش معهم". بذلك، يكون بومبيو ألغى بطريقة ضمنيّة عبارة "من دون شروط مسبقة".


تناقض مع بومبيو ... مرّة أخرى

البارز في إعراب ترامب عن يقينه بأنّ روحاني "رجل رائع" يكمن في أنّه جاء بعدما اتّهم الرئيس الإيرانيّ الولايات المتّحدة بالتحريض على هجوم الأهواز الذي أسقط 29 قتيلاً إيرانيّاً. هذا الكلام استدعى ردّاً من السفيرة الأميركيّة إلى الأمم المتّحدة نيكي #هالي التي قالت إنّه "قمع شعبه لفترة طويلة وهو يحتاج للنظر إلى قاعدته الخاصّة لمعرفة من أن أين يأتي ذلك". وأضافت: "يمكنه اتّهامنا بجميع ما يريد. ما عليه فعله هو أن ينظر في المرآة".

ومع ذلك، هل يمكن أن يكون ترامب بتودّده لروحاني قد أراد خلق شرخ بين الإصلاحيّين والمتشدّدين؟ سؤال يصعب الإجابة عليه، لكنّ المؤكّد هو أنّ المقرّبين من ترامب أكانوا سياسيّين أو محلّلين لا يعتقدون بغالبيّتهم بوجود طرفي صراع داخل إيران وخصوصاً بوجود معتدلين داخلها. ففي 22 تمّوز الماضي قال بومبيو إنّ الرئيس الإيرانيّ ووزير خارجيّته محمّد جواد ظريف هما "رجلا واجهة تمّ تلميع (صورتيهما)" وإنّ "اتفاقهما النوويّ لم يجعلهما معتدلين، (بل) جعلهما ذئبين في ثياب حملين". من هنا، كان كلام ترامب أمس مناقضاً أيضاً لما قاله وزير خارجيّته.


بين طهران وبيونغ يانغ

من المرجّح أنّ ترامب لا يزال يعتقد بإمكانيّة خوض مسار مع الإيرانيّين شبيه بالمسار الذي خاضه مع الكوريّين الشماليّين: التهديد وفرض العقوبات وفي الوقت نفسه إبداء الانفتاح عليهم. وربّما اختار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة كي يحثّ الإيرانيّين على المقارنة بين العلاقات الأميركيّة الكوريّة الشماليّة التي كانت في أوج توتّرها خلال الدورة السابقة والتي تحسّنت كثيراً اليوم. ففي أيلول 2017، هدّد ترامب على المنبر نفسه "بتدمير كوريا الشماليّة كلّيّاً" إذا هاجمت الولايات المتّحدة أو حلفاءها. وأشاد أمس بالمساعي التي بذلتها واشنطن وبيونغ يانغ في قمّة #سنغافورة، بينما أتى كلام #ترامب بعد ساعات على إشادة شخصيّة بكيم الذي وصفه ب "المنفتح جدّاً".

لكن حتى مع افتراض أنّ ترامب يعتمد هذا المسار، من الصعب ألّا يكون الإيرانيّون مدركين لأفكار الرئيس الأميركيّ وحتى للعثرات التي لا تزال تعترض عمل واشنطن على تخلّص كوريا الشماليّة من أسلحتها النوويّة، وهو أمر يتجنّب ترامب توجيه مسؤوليّته المباشرة إلى #كيم. يضاف إلى ذلك أنّ الفوضى وتناقض التصريحات قد تدفعان الإيرانيّين بحسب البعض إلى اعتبار الرئيس الأميركيّ "أقلّ فاعليّة" في أيّ مفاوضات مستقبليّة. وبما أنّ ترامب يواجه تحقيقات فيديراليّة وانتخابات نصفيّة بعد أقلّ من شهرين، يمكن أن يكون الإيرانيّون مراهنين على أن يصبح موقعه التفاوضيّ أكثر ضعفاً مع مرور الوقت.


كيف ردّ روحاني على إشادة ترامب؟

سألت المراسلة البارزة في "سي أن أن" كريستيان أمانبور روحاني عن تغريدة ترامب فأجاب بأنّ الإيرانيّين لم يطلبوا مطلقاً لقاء الأميركيّين بل إنّ طهران هي التي تلقّت ثمانية طلبات من مسؤولين أميركيّين لعقد اجتماع. وتابع قائلاً: "لم أرَ أنّ ذلك كان اجتماعاً مناسباً كما لا أراه مناسباً الآن" مطالباً أمانبور بتوجيه السؤال إلى ترامب لمعرفة من قام بتقديم هذه الطلبات. أمّا عن الكلمات الودودة التي أطلقها ترامب، فقال: "على أي حال، بالنسبة إليّ المهمّ هو أن يسعى قادة الدولتين إلى مصالح متبادلة وأن يجروا حواراً ويتّخذوا خطوات بناء عليه، يمكن أن تؤدّي في نهاية المطاف إلى إلغاء العقد والمصاعب التي وجدت في العلاقة بين البلدين طوال أربعة عقود. كلّ ما عداه هو تلاعب بالكلمات ولن يؤدّي بنا إلى أيّ حلول أو أهداف".

يبدو أنّ الطرفين لا يعارضان كلّيّاً فتح الحوار مع بعضهما البعض في المستقبل. لكنّ الإيرانيّين قد ينتظرون الانتخابات النصفيّة أو حتى الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، بينما ينتظر الأميركيّون أن تتسبّب عقوباتهم بإنهاك طهران، في محاولة من كلّ طرف لضمان تحسين موقعه في المفاوضات المحتملة. حتى ذلك الحين، قد يستمرّ التصعيد الكلاميّ بين الطرفين مقروناً بوقت مستقطع من التودّد الصادر عن رئيس أميركيّ يعتقد بنجاعة أساليب تفاوضيّة كهذه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم