الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

بنك الأيام

المصدر: "النهار"
أسعد الجبوري
بنك الأيام
بنك الأيام
A+ A-

هي ستصعد إلى رأسه.

هو سيجمع الأيام ويصعد بالكيس إلى القمة.

أنا أيضاً سأصعد إلى رأس السَّنَة.

أحبّ الطوابقَ العليا من المخَيِّلة ومباني

النسوة اللاتي يَنطحنّ بحَلَماتهنّ السَّحَاب.

فهناك الصندوقُ الأسودُ للخرائط وحركات الأنجم

وثغاءِ الريح وشرائح ديك الغرام المَكْوِيّ بأشعة جاما.

سأصعد فرداً من المذكر السالم

لأستخرجَ من آبار العام القمحَ والجنودَ

وأوراقَ التبغ والستائر وبعضاً من صخور العتمة.

لا أستطيع التفوه بكلمة عن الوقت،

ما إذا كان عاماً أو حولاً أو كنبة للنعاس في عرض

شارع أو في مستشفى أو على ظهر لوري.

سأسأل كل متساوي الأضلاع من الرجال

إن قضوا الزمن الفائت كتماثيل يلفّها الغبار

أو انتهت بهم أوقاتُهم بالتردد على مختبرات الأديان

وقوافل الأوبئة العسكرية.

أيضاً سأضع أمام النسوة هذا الرأس

"العامَوي"

السنوي

(الحولووي)،

لتحكي كلٌّ منهنّ شيئاً عن نظرات الزمن،

ما إذا كانت ماجنةً منحرفةً أم نظراتٍ دافئة بغيومِ

البكاء على كلّ من غادر الأعينَ على زورق مطاط،

أو فرّ من بين الأيادي فرحاً بجنازته المطرزة

بالرصاص.

أنا سأصعد إلى بنات نعش طيراناً

بعد أن سرقَ الرقصُ مني القدمين في الصالة

الفلكية.

لم أشأ تنظيفهما لا من الدبكة والبوب والجوبي

ولا من الجاز والتانغو.

كلّ شئ أقل من ضخامة رأس السنة الملتهب

بالسيوف والطغاة والجندرمة.

الرأسُ المنتفخ بالأبواق وفستق العبيد.

المثالي بأكوام من الأصفار النائمة على فراش

الأرقام المحذوفة.

السكرانُ بأغاني الحلاج.

سأصعد،

تاركاً الذيلَ خطَّ سرابٍ ما بين المقبرة

وقمامة المؤرخ.

لن أنتظر الباصَ المقبلمن وراء الغيوم

فالجدران كثيرة.

ولن يحملَ في صناديق ركّابه شيئاً

لا شوكولاتة بالحليب للأيتام.

ولا علب سردين للمشردين أو رقائق شيبس

للحالمين بالاسترخاء والتسلية.

لهذا

سأعاني من الانتظار أكثر من غودو.

قد تشيخ مؤخرتي جلوساً على مصاطب

الحجر.

فلا وردة لتدفئة الفؤاد المتجلِّد ستصل باليد

أو بالبريد.

ولا ساعة ستدقّ لنفتح للغائبين باباً

ونسقط في الحنين.

العناقُ ظلٌ يابسٌ على الجدار.

والأملُ غادرَ الأسطوانة المكسورةَ بالشاكوش.

لهذا

ستبقى قُبَلُنا طائرةً كالفقاعات فوق الشفاه

أو على حبال غسيل الحب من الخيانات.

كما لن نجد من يبحث عنا في "غوغل" رمزاً لذكرى.

وكل الذين في غرف الفايسبوك،

أيتامُ خيولٍ طالتْ بهم أعناقُهم كيلومترات

لملامسة هذه المُهْرة البضّة،

أو تلك الغزالة التي فشلت اليدُ بربطها

خلف عربة الرومانتيك المتهرئة الخشب والعجلات.

لم يَكُنْ هنا على ما أظن غير مآتم مُعلقّةٍ كالقلائد في الرقاب.

غير مآتم الربيع في المنازل والنصوص والحانات والتخوت التي استنفذت شحناتها

ولم يعد بها التشريجُ ينفع.

أرضٌ

كلما أقبَلتْ على دراسةِ تربة من عليها،

سرعان ما تنكمش،

وترمي بنا قطعاً طينيةً من موسيقى الشيزوفرينيا،

وحتى تحرقنا الجحيمُ فَخَّاراً صِّينياً خزفياً

أو من القيشاني.

لم نكن نعلم أننا من قدامى الموتى

في مفكرة الفاتحة.

نشرب الحليبَ الصحي،

ونلعب الشَّدَّة بعيداً من شَخَبِ الدَّم

 الهَطَّالِ من أكباد الهنود الحمر.

كل جسدٍ مَؤونةٌ لا تُغتفر من حطبٍ سريع

الاشتعال.

أو صيدليةٌ من الأسى وعقاقير الخراب.

انه الزمن:

منكفئ على خريطة الوجه كالثعبان.

أنه الوقتُ:

زجاجةٌ فارغة من البروتوبلازما

ويجلس إلى الطاولة كخلايا هلامية معقمة

من بؤس الجسد وكهولته.

لهذا

الأيامُ الثقيلةُ ستكون كالجبال على ظهري.

التاريخُ الأحمقُ هو الآخر سيعرقل خطواتي

بأوراقهِ الممزقة رزماً على طاولة الكون.

قدامى المغرمين بالقصص والأساطير،

سيركبون مع دموعهم وثيابَ عشيقاتهم المعطرة بالسحر

والزيزفون وحبر القلق.

ومع أن التوصيلات الكهربائية مقطوعة ما بين قدمي ودمي،

سأرمي بمصباح علاء الدين

في الهاوية،

لينكسر العمودُ الفقري لفائض الخُسْران

 والخَيْبات.

هكذا تذكرتُ كيف ولدتُ دون قابلةٍ قانونية

في تلك القافلة على طريق الديناميت.

صرتُ أياماً من قماش وأياماً من رياضيّات وأياماً

من كحول وأخرى من ضرائب اللغة.

هكذا

ومن الأيام النمرُ الوردي

للانطلاق برقاً على أرض النصوص.

ومن الأيامِ خروفُ الأضحى

يلازم القومَ حتى ظهور العيد أحمر من المسلخ.

ومن الأيام ثعبانُ الديالكتيك

وكلّ ما يجعل السمّ وعكةً بالأنفلونزا.

ومن الأيام ماكينة سنجر

مقدارٌ ضئيلٌ من خياطة أحلامٍ باليةٍ.

ومن الأيام سُلّمُ المطافئ

لتنظيم حَرَكةِ سير الأرواح في حرائق

الدفاتر.

ومع ذلك سأصعد إلى رأس السنة،

لأتعرف كيف تلعب الملائكةُ الدَّحلَ مع فيزيائيين،

ما زالوا يعكفون على تصحيح الخطأ ما بين السنة

الضوئية ويوم ميلادِ الكلماتِ في خزائنِ

بنوكِ رأسي.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم