الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

هل سياسة مصرف لبنان النقدية ضرورية للإقتصاد؟

المصدر: "النهار"
سلوى بعلبكي
سلوى بعلبكي
هل سياسة مصرف لبنان النقدية ضرورية للإقتصاد؟
هل سياسة مصرف لبنان النقدية ضرورية للإقتصاد؟
A+ A-

يثار جدال في الآونة الأخيرة حول سياسة مصرف لبنان النقدية، فبعض الخبراء والمراقبين يعتبرونها ضرورية للإقتصاد اللبناني لأنها أمنت وتؤمّن الاستقرار النقدي الضروري للإستقرار الاقتصادي والمالي، وآخرون يعتبرون أنها أضرّت بالاقتصاد اللبناني لأنها ألحقت تكاليف كبيرة به على صعيد الميزان التجاري (ضعف التصدير الوطني) والمالية العامة (إرتفاع المديونية العامة بسبب سياسة الفوائدالعالية نسبياً) ويمكن أن تؤدي إلى أزمة مالية واقتصادية تنسحب تداعياتها على قيمة الليرة وعلى القطاعين المصرفي والعقاري.

فما هي أهمية وجدوى سياسة تثبيت النقد الوطني، والمحافظة على أسعار فائدة مناسبة، وقيام مصرف لبنان بعمليات الهندسة المالية، وضبط معدلات التضخم، وحماية القطاع المصرفي اللبناني؟  

في دراسة علمية أعدها الخبير الاقتصادي الدكتور عماد أمين شهاب عن السياسة النقدية التي يتبنّاها مصرف لبنان، وجد شهاب أن هذه السياسة أثبت جدواها وأهميتها في تحقيق الآتي:

− حافظت على ثروات اللبنانيين والقيمة الشرائية لمداخيلهم.​

− حفّزت القطاعات الإنتاجية ولا سيّما قطاعات إقتصاد المعرفة الجديد وأيضاً الشركات الناشئة (Startups) والمشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs).

− حافظت على معدلات تضخم معتدلة وضرورية لحفز النمو العام في الاقتصاد الوطني.

− دعمت إحتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، الأمر الذي شكّل صمّام أمان لدعم إستقرار النقد الوطني.

− سمحت بتمويل عجز الموازنة في الوقت الذي غابت فيه خطط الدولة لزيادة الإيرادات العامة وضبط الإنفاق العام لأنه في شقه الأعظم إنفاق جاري غير منتج.

− حافظت على أسعار فائدة ملائمة تتماشى مع تصنيفات لبنان السيادية من وكالات التصنيف الائتماني العالمية، والتي ساهمت في تحفيز النمو الاقتصادي وتمويل المستهلكين لأغراض إقتصادية واجتماعية متنوعة هي ضرورية وأساسية لهم.

− حققت عمليات هندسة مالية أفادت مصرف لبنان (زيادة إحتياطياته الدولية) والمصارف (زيادة رساميلها) وميزان المدفوعات (حوّلت العجز فيه إلى فائض بسبب التدفقات المالية الخارجية الجديدة).

− دعمت القطاع العقاري بفضل حزم التحفيز التي نفّذها مصرف لبنان خلال الاعوام الأخيرة والتي حافظت على تماسك هذا القطاع رغم ظروف الجمود الملحوظ فيه.

− حافظت على القطاع المصرفي وعززت الثقة الدولية به ومكنته من تخطي كل الاستحقاقات الدولية مثل مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهرّب الضريبي ومعايير بازل الجديدة وغيرها.

هذه حقائق أساسية ثابتة وراسخة في تاريخ لبنان الاقتصادي، وإنجازات ونجاحات حقيقية ولافتة في سجل مصرف لبنان، وهي محل إشادة محلية وعربية وعالمية، وخير دليل عليها أن صندوق النقد الدولي (عام 2016) أثنى على "محافظة السلطات على إستقرار الاقتصاد الكلي والثقة في ظروف صعبة للغاية"... و"محافظة مصرف لبنان على إحتياطيات دولية كافية"... و"عملية الهندسة المالية دعمت بنجاح إجمالي الاحتياطيات الدولية لمصرف لبنان ورأسمال المصارف".

ولكن ما هي ضرورات ومبررات تطبيق مصرف لبنان هذه السياسة النقدية بالذات منذ سنوات طويلة، وتمسّكه بها في الظروف الراهنة؟ يعود شهاب بالذاكرة إلى ثمانينات القرن الماضي عندما تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية من 4 ليرات للدولار الأميركي عام 1982 إلى 2850 ليرة للدولار في العام 1992. كما وبلوغ معدل التضخم في الأسعار عتبة 400%، حيث شهد الاقتصاد اللبناني في تلك المرحلة ظاهرة "الركود التضخمي"(stagflation) وظاهرة "التضخم المفرط" (hyperinflation) الخطيرتين جداً. وعلى إمتداد الاعوام الأخيرة وحتى اليوم، يواجه لبنان مجموعة من المشكلات والصعوبات الهيكلية والبنيوية تتطلب معالجات سريعة وجذرية وإستراتيجية من قبل السلطات السياسية تداركاً لأية تداعيات سلبية محتملة على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلد، وجديدها معضلة سلسلة الرتب والرواتب والضرائب الجديدة، وتواصل حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة العربية حيث يتأثر لبنان بتداعياتها، والسجال السياسي المستمر بتأثيراته السلبية على مجموعة من الاستحقاقات الوطنية المهمة مثل ملف النفط والغاز وإطلاق عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية، وتضخم عدد المقيمين اللبنانيين وغير اللبنانيين في لبنان والضغط الكبير على الخدمات العامة الحياتية للمواطنين من كهرباء وماء وإتصالات وغيرها، وضرورة تحسين علاقات لبنان مع دول أساسية وحيوية للاقتصاد اللبناني أي دول الخليج العربي، وأهمية تصحيح الاختلالات البنيوية في الميزان التجاري (لناحية تخفيف العجز التجاري) والمالية العامة (لناحية زيادة الإيرادات العامة عبر تحسين جباية الأموال العامة والسيطرة على عمليات الهدر والتهرّب والفساد وضبط الإنفاق العام الجاري).

ماذا عن النتائج التي كان يمكن أن تترتب لو إتبع لبنان سياسة نقدية قائمة على أساس سعر الصرف الحرّ؟ يرى شهاب أنه في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية الصعبة التي عاشها ويعيشها اللبنانيون، إذ لكانت قد هدّدت كل مقومات الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي الحالي وأيضاً ثقة العالم بلبنان ونقده واقتصاده.

من المؤكد أن مصرف لبنان يتمسّك بسياسته النقدية الحالية نظراً للظروف التي يشهدها لبنان، وهي ضرورية برأي شهاب "لتأمين صموده في وجه هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية". وتبعا لذلك لا يرى شهاب أن ثمة خوف على لبنان من أي أزمة قد تهدد إقتصاده أو عملته أو قطاعه المصرفي "طالما أن السياسات النقدية والمصرفية تواصل تحفيزها للنمو الاقتصادي والإستقرار النقدي والمصرفي، وطالما أن لبنان إعتاد على امتداد السنوات الطويلة الماضية التعاطي مع الظروف الصعبة بكل نجاح وثبات وعزز قدرته على الصمود، وطالما أن الدين العام ممسوك بغالبيته من قبل العملاء الاقتصاديين اللبنانيين، وطالما أن السياسيين يدركون تماماً المخاطر التي قد تترتب على عدم توافقهم على إنجاز إستحقاقات وطنية حيوية وإستراتيجية من أجل حماية البلد وإقتصاده ونموه ومستقبله".

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم