الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

لماذا صوّر زياد دويري فيلمه في تل أبيب؟

المصدر: "النهار"
لماذا صوّر زياد دويري فيلمه في تل أبيب؟
لماذا صوّر زياد دويري فيلمه في تل أبيب؟
A+ A-

“لماذا صوّر المخرج اللبناني #زياد_دويري فيلمه في تل أبيب”؟، سؤال لم يطرحه كثر ولم يشغل الوسط الثقافي والسينمائي في حمأة الجدل الذي رافق عودته من #مهرجان_البندقية (حيث عرض “قضية رقم ٢٣”) وحجز جوازي سفره عند وصوله إلى مطار بيروت الأحد الفائت، ثم إحالته على القضاء أمس لمواجهة تهمة ”التعامل مع إسرائيل” التي أُلصقت به بعد تصوير أجزاء من فيلمه “الصدمة” في تلّ أبيب العام ٢٠١٠ (دخل إلى الأراضي المحتلّة بجوازه الفرنسي). لكن القضاء أخرجه بريئاً ولم يوجّه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر أي تهمة إليه، بعدما استمع إلى إفادته لأكثر من ساعة. 

 “الصدمة”، ثريللر بسيكولوجي شاركت في إنتاجه خمس دول: لبنان، فرنسا، مصر، بلجيكا وقطر التي تبرأت منه في ما بعد. افتُتحت عروضه في مهرجان تورونتو (أيلول ٢٠١٢)، ثم كانت له محطّة في سان سيباستيان (إسبانيا)، قبل أن يحطّ في مراكش، حيث فاز بجائزة "النجمة الذهب”، ومنها إلى دبي، قبل أن يُمنع في لبنان إثر شنّ حملة عليه من “مكتب مقاطعة إسرائيل”. “الصدمة” هو أفلمة لرواية الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا صدرت العام ٢٠٠٥. عدّل دويري نهايتها التي وجدها تفخيمية، ما أثار استياء الكاتب.

 الفيلم عن جرّاح فلسطيني من تل أبيب. أمين الجعفري هذا (علي سليمان) ينعم بصيت اجتماعي راقٍ. كم تكون صدمته كبيرة عندما يعلمونه بأنّ زوجته (ريموندا مسلم) نفذّت عملية انتحارية في مطعم إسرائيلي ذهب ضحيتها ١٧ شخصاً، سيصلون قريباً إلى سرير العمليات في المستشفى الذي يعمل فيه الجعفري. هذا الاكتشاف سيزجّ بالجعفري في نفق مظلم، تأكله هواجس الشكّ والذنب والندم: كيف عاش مع امرأة استطاعت أن تُقدم على خطوة منافية تماماً لرسالته المهنية؟


بعيداً من الشقّ القانوني والبُعد الإيديولوجي والمعنى النضالي الذي يمثله الصراع العربي- الإسرائيلي في وجدان شعوب المنطقة، من حقنا الانشغال بسؤال سينمائي فني جمالي محض.   

ما يهمّنا هنا تحديداً هو معرفة المسوغ الحقيقي الذي جعل دويري يختار تل أبيب كمسرح “طبيعي” للحوادث، بعد كلّ الجعجعة والاتهامات بالعمالة التي طالته وصلت في أحايين إلى التحريض على القتل. كلّ هذا المناخ الاتهامي الموبوء يجب ألا ينسينا أننا نتكلم عن صناعة الصورة التي تنطلق من جماليات وقراءة بصرية للواقع وتعتمد في طبيعة الحال على أصول وقواعد وخيارات.

في الحقيقة، عندما قابلت دويري في مراكش العام ٢٠١٢، صارحني كالعادة بأسلوبه الكلامي غير المغربل، وشرح ظروف تصوير الفيلم في إسرائيل. إلا أنّه عندما حانت ساعة نشر المقابلة، قرّرنا حذف جوابه كي “نحميه” من كلّ الذين كانوا ينتظرونه على مفترق الطريق لطعنه. فالحملة ضده لم تكن شُنَّت بعد، لسبب بسيط هو أن أحداً لم يكن يعلم بالأمر.

يومها قال: “في البداية، حاولنا التصوير في تونس، مكثتُ فيها شهراً كاملاً، لم أجد ما يشبه تل أبيب. ثم ذهبنا إلى قبرص، مرة أخرى فشلنا. المدينة الوحيدة في المنطقة التي تشبه تل أبيب من الناحية الشكلية هي بيروت! الشام تشبه قليلاً عمّان، وعمّان تشبه قليلاً بغداد، ولكن ليس في المنطقة ما يشبه تل أبيب. صورنا جزءاً في تل أبيب وليس كلّ الفيلم. لم يكن ممكناً تلافي الأخطاء التجسيدية في خلفية الصورة في حال تم التصوير في مكان آخر والإيحاء أنّه في تل أبيب. من أين كنتُ سآتي بمدينة أستطيع أن أكتب على جدارنها بالعبرية؟ هناك نوع من واقعية سينمائية كنت سأخسرها لو صوّرتُ في مكان آخر. البعض بدأ يقول لي: "كان من الممكن أن تصور في بلد آخر". وأنا أقول: "لا، لم يكن من الممكن أن أصوّر في بلد آخر". لا أريد فيلم "تفنيصة". يحبّ الناس القول إنّ هوليوود تفعل كذا وكذا. يجهلون أنّ هوليوود تملك إمكانات هائلة تتيح لها بأن تغير معالم مدينة بأكملها وأن تفعل بها ما يحلو لها. أما بالنسبة للتصوير في نابلس، فلم أرد استثمار الصورة المغلوطة لنابلس والتي تقدّمها كمدينة بائسة. كنتُ أريد أن أبرز مميزات نابلس كمدينة تاريخية قديمة. أياً يكن الوقت الذي سيمرّ، لا يُمكن نابلس أن تتحول إلى تل أبيب أو نيويورك؛ لديها طابعها الخاص. أما بالنسبة إلى الممثلين الإسرائيليين، فلم يكن جائزاً أن آتي بممثلين مصريين مثلاً ليتكلموا بالعبرية. العالم لم يعد يقبل باحتيالات كهذه. اقترح عليّ المنتج الأميركي تصوير الفيلم كله بالإنكليزية، فرفضتُ. لماذا على فلسطيني إسرائيلي أن يتكلم بالإنكليزية؟".




مغالطة أخرى يقع فيها “منتقدو” دويري. نسمعهم يقولون: شوّه القضية الفلسطينية فوُضعت في خدمته الإمكانات التي احتاجها بعد ٦ سنوات “جفاف” سينمائي.  

 العكس هو الصحيح: كان المخرج وجد صعوبة في تمويل “الصدمة”. فهو انتهى من فصول التحضير والكتابة منذ ٢٠٠٦. تطلب منه ست سنوات كي ينجزه. تورط مع شركة أميركية (“فوكوس فيتشرز”) تابعة لـ"يونيفرسال" موّلت بداية المشروع، ثم انسحبت منه ما إن باشر التحضير. رفضت الشركة إعطاءه حقوق السيناريو الذي كتبه مع جويل توما. عذا ذلك بأنه يمدّ العملية الإرهابية التي قامت بها زوجة الطبيب ببعض الأسباب التخفيفية. “أقول: "أوكي، أنا موافق إنها عملية إرهابية، ولكن دعونا نفهم ما هي معطيات الإرهاب". أما بالنسبة إلى الأميركيين، فهذه الأسباب غير موجودة. نقطة على السطر. لا يريدون أن يسمعوا. علماً أنّهم أحبّوا السيناريو كثيراً. أعرف الأشياء التي أزعجتهم. من تلك الأشياء، المشهد الذي نرى فيه أمين وهو يصل إلى جنين، فنرى في مكان على الركام عبارة "غراوند زيرو". هذا أحالهم على ١١ أيلول، فقالوا أنّني أشبّه بين الحادثتين. انطلاقاً من هذه اللحظة، تخلوا عن المشروع". 

اقرأ أيضاً: زياد دويري: "رضعت حليب القضية الفلسطينية... يحاربونني ليوقفوا فيلمي"

وأيضاً: المخرج زياد دويري "بلا جواز سفر"... ماذا يوضح لـ"النهار" بعد الحديث عن توقيفه؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم