الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

الإشكالية بين الإنسان والحياة تاريخية

المصدر: "النهار"
ريموندا حداد
الإشكالية بين الإنسان والحياة تاريخية
الإشكالية بين الإنسان والحياة تاريخية
A+ A-

الاستباقية الترابية، هي التي ولّدت هذه الإشكالية، بين الإنسان والحياة، وحملته على التوغل في محورية تساؤلية، تاريخها من تاريخية انوجاد الإنسان على هذه الأرض. 

ولئن كان الإنسان مادياً، ومن ثَمَّ روحياً، فمن بداهة الأمر، أن يكون للروح دور المتفرج، لا أكثر، في عقبات وصعوبات، تنتاب الإنسان، على مدار، سني عمره التي يصرفها في هذه الحياة...!

وإذا دخلنا، في هذا المضمار، لرأينا، أن أسبقية المادية، وما هي عليه من نزوات وشهوات، وتشوشات، هي التي خلخلت، استقرارية الجسد، إذ هاجمته، بعدوانية فاجرة، فبعثت فيه، شتى العلل والأمراض، وما ينجم عنها، من آلام وأوجاع، لا تحتمل، ولا تطاق، في كثير من الحالات!

وعن الروح، فلا دور لها، إلاّ بمقدار تملصّ الجسد من نزواته، وجدية اتصاله بالقدرة الكونية (الله).

وهكذا، فالإنسان يغدو في مواجهة حتمية مع الأمراض كلها، إما المواجهة، فالانتصار والسموّ إلى فوق حيث الحياة والخلود، وإما الرضوخ والاستسلام، فالهزيمة والانحدار إلى الحضيض حيث الموت.

ينتصر الإنسان، على آلامه وأوجاعه، إذا اعتبرها، بمثابة نار تطهره من شرور كثيرة، كما تطهر النار المعادن، وإذا تصور، هذه الوضعية الكارثية، صوتاً صارخاً، ينبهه، الى ما حمّل، هذه الترابية التي هو عليها، من أدران وآفات، لا يقبل بها لا الواقع الروحي، ولا الواقع الاجتماعي، ويتقرّر هذا الانتصار، ويتوضّح عندما تُفتح أمامه نافذة تطل على جنائن مغمورة بظلال إله هذا الكون العظيم.

وإذا تطلعنا، في واجهة التاريخ، لوقعنا على الكثير من المفكرين والملوك والعظماء، قد عادوا، الى رشدهم، فانتقلوا من ملحدين الى مؤمنين، ومن ساخرين الى موقنين، ومن سابحين في بحور الوهم، الى سالكين في درب الحق والحقيقة، فأنقذوا بذلك، مصيرهم الأبدي، ولو على حساب أجسادهم، لأن الحياة الأبدية هي للروح وليس للجسد.

وعن الإنسان الذي يتعامل مع هذه الأوجاع والآلام، على أنها سخط طبيعي هاجمه، على غفلة منه، فينبري يشتم ويلعن، خالطاً بين ما هو أرضي، وطبيعي، فهو الساقط حكماً في خسارتين كبريين، جسدية من جهة، وروحية من جهة أخرى، فآلامه حينئذٍ تغدو حارقة، وخانقة، ومرمّدة. وترتسم أمامي الآن لوحتان توضحان المشهدية البشرية خير توضيح. لص الشمال بات يلعن ويتهّكم فخسر، كل رجاء، وأمل، فيما لص اليمين، تاب وندم، وطلب الخلاص، فكانت له الحياة الأبدية...!

ما أعظم أن يغوص الإنسان في أعماقه، آخذاً دور الناقد الذاتي، ومنتبهاً الى مسألة جد مهمة وهي: " خلاصك بيدك أيها الإنسان" إما الى موت في ما هو موت، وإما الى حياة في ما هي حياة.

لقد اجتازت البشرية الى الآن بحر هذه الحياة المتلاطم، ولم يسلم من الغرق، إلا ذلك المركب الذي صمد متحصناً بعلاقته الفوقية، مهما هاجمته الأنواء، والأمواج العاتية، ولم يغرق إلا ذلك المركب الذي اعتبر عوامل الطبيعة، ليست سوى عدو جهنمي، لا خلاص منه، إلا بقواه الذاتية، وهيهات أن يرى منارة الأيام، ويطأ شاطئ الأمان والراحة والسكينة...!

وهناك مثل: "أن تضيء شمعة، خير من أن تلعن الظلام ألف مرة"
.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم