الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

ملاحظات متأخرة على معرض شوقي شمعون في "غاليري مارك هاشم" اللوحة غابة زوارق أم أوركسترا الوجد وشبق ألوان الموسيقى؟

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
ملاحظات متأخرة على معرض شوقي شمعون في "غاليري مارك هاشم" اللوحة غابة زوارق أم أوركسترا الوجد وشبق ألوان الموسيقى؟
ملاحظات متأخرة على معرض شوقي شمعون في "غاليري مارك هاشم" اللوحة غابة زوارق أم أوركسترا الوجد وشبق ألوان الموسيقى؟
A+ A-

أكثر ما لفتني في معرض شوقي شمعون الأخير (غاليري مارك هاشم) أن الفنان يخترع من اللوحة نفسها لوحات لامتناهية كأنها تُرى وتُتَخيَّل للمرة الأولى. ها هو الخلاء نفسه. وها هي الجبال نفسها. والمنبسطات اللامحدودة. والقامات البشرية المتواكبة المتلاحقة المتوائمة الماضية إلى مصائرها المجهولة بلا تردّد. لا شيء يوقفها عن مواصلة البحث، عن لا شيء ربما، عن ضوء غير مرئي، عن مأوى، أو متكأ.  

يمكنني أن أواصل التأويل من دون ملل، أو توهّم. أنا متأكد من أن لا تشابُه في الأعمال، ولا تكرار، على الرغم من تراكميتها التي تبدو لي تراكميةً صوفية، توازي الدوار الذي يأخذ بالعقل فيجعله يتهادى أو يتهاوى من تلقائه، كأنه في سكرة المنتهى.

لمسةٌ واحدة لا بدّ أن تكون كافية لاختراع حالةٍ غير مسبوقة، تشكيلياً، وبصرياً، ونفسياً. هكذا يحلو لي أن أظلّ أعاين البعد المشهدي نفسه مضافاً إليه ما يومئ إلى زوارق محتملة افتراضية، فتجعلني هذه الإضافة في تصعيدٍ من النشوة يُشعِرني بالامتلاء. وهو امتلاءٌ أدين به للعمل الفني في ذاته، وقد تحوّل إلى تحفيز نفسي. مثل هذا التحوّل لا يمكن اكتناه دلالاته إلاّ بما يوازيه من شعريةٍ خالصةٍ مبثوثة في الفضاء التشكيلي، وقادرة على التكيف مع الكائن الذي يرى ويتفاعل ويتحد.

هذه الزوارق، أهي زوارق حقاً؟ لستُ أدري. إذا كانت زوارق حقاً فمن أين تتدلّى؟ أمن سماء، أم من بحر، أم من خيال؟ وكيف لها أن تتراكم صعوداً عمودياً، أو تلاحقاً أفقياً لتغدو هي اللوحة بامتداداتها وفسحاتها وأحجامها المهيبة؟! لا بدّ أن الوجد يجعلني أرى ما لا يُرى، وأستعشر ما ليس موصولاً بواقع. وإذا لم تكن زوارق، فلمَ لا تكون من نوع الوريقات الغاباتية التي تستولي على الحقل البصري برمته؟ ترى، أهي حقاً وريقاتٌ شجرية من صنف الأوراق الغاباتية المتهادية والمتخذة أشكالاً توحي بالسفر والإبحار والإسراء، على غرار أولئك القوم المرتحلين في هجراناتهم ومتاهاتهم المتألمة، لكن من دون تأوه أو صراخ أو تململ؟!

تستولي عليَّ ألوان شوقي شمعون استيلاءً بالعين والموسيقى والروح والعقل. بعض ما فيها من معنى، أنها لا تحتاج إلى معنى في ذاته. وهذا هو المعنى كلّه. حتى ليتملكني العجب من قدرة الكيمياء اللونية لديه على اجتراح الحالات والمشاعر والدلالات والتأويلات، التي سرعان ما تندرج في إيقاعات موسيقية أوركسترالية، من شأنها أن تأخذ الرائي بعينيه وبأذن قلبه، ليُنصت إليها من دون صوت.

ما أصعب أن تكون اللوحة محض لون فحسب. حالٌ كهذه، أعتقد أنها من غوايات شوقي شمعون، ومما يغدقه على السطح العملاق من كتل لونية، وامتدادات منبسطة، متلاحقة، متراكمة، أشبه ما تكون بإيقاعات الموسيقى وتجلياتها، مرئيةً بعصا المايسترو وهو يقود أوركستراه بيديه، بعينيه، بروحه، بجسمه كلّه، وبالعقل الماكر والمتبسم تيهاً واشتياقا.

هذه ملاحظات عابرة على هامش ما لا أزال أتمتع برؤيته والتفاعل الخلاّق معه، بخيال قلبي، وجموح شبقي الفني، وأنا أستعرض لوحات شوقي شمعون العملاقة في غاليري مارك هاشم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم