الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

الفسقُ الشعريّ

المصدر: "النهار"
أسعد الجبوري
الفسقُ الشعريّ
الفسقُ الشعريّ
A+ A-

على متن الريح  

دون كيشوت: لقد اكتشفوا لنا شبيهاً في الأعالي. وقد تكون الهجرة إلى هناك أريح من البقاء بين أكوام الحطب على هذه الأرض العجوز.

سانشو: لم أفهم قصدك بالضبط، يا سيدي الدون؟ هل تريدنا أن نستعد للرحيل من هنا إلى مكان آخر من العالم؟!

دون كيشوت: أظن ذلك متمنياً. ولكن قل لي يا سانشو، هل تعرف "ناسا"؟

سانشو: وكالة الأنباء السورية، تقصد؟!

دون كيشوت: لا يا رجل! أقصد وكالة "ناسا" لعلوم فضاء الفرنجة التي أعلنت اكتشاف كوكب شبيه بالأرض، حجمه قريب من حجم كوكب الأرض ويبعد عن شمسه بمسافة تشابه المسافة التي تفصل الأرض عن الشمس، مما يعزز احتمالات وجود الماء فيه.

سانشو: وهل تريد أن نذهب إلى هناك من أجل أن نشرب ماءً ونعود إلى الأرض من جديد؟!

دون كيشوت: يا لمخّك المغمور بالغبار، يا سانشو. ما أعنيه هو أن التلسكوب "كبلر الجبار"، بدأ البحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض قبل سنوات ست، وقد عثر على أكثر من 4 آلاف من هذه الكواكب، ولكن كوكب "كبلر" هو الأكثر شبهاً بالأرض.

سانشو: لا رغبة لي بالسكن على كوكب يشبه الأرض. قد تلومني على كلام مثل هذا، لكني لا أريد الاستمرار بكابوس رافقني طوال حياتي.

دون كيشوت: المخلوقات النظيفة من الكوابيس يا سانشو، لا معنى لها ولا حضور. حتى الدجاج في عالمنا هذا لا يخلو من الكوابيس.

سانشو: تعني أن الكوابيس ضرورة، يا سيدي الدون، ما إن تنتهي، حتى يُذبل المخلوق أو يوضع رفاً!

دون كيشوت: بالضبط، يا سانشو.

سانشو: أعرف أني دائم الشكاوى والشكوك من حوادث الأرض وأمراضها وشرورها اللاهوتية، والتراجيديات الحربية للأخوة الأعدقاء من سكانها المحليين. حتى أن الأرض يا سيدي الدون، لم تمنحني ولو راحة موقتة، فما إن أضع على المخدة رأسي، حتى أبدأ بالمشي في أثناء النوم.

دون كيشوت: يا لك من محظوظ. فكم تمنيت لو قطعت كل تلك التلال مشياً في نومي، يا سانشو. لكن اليقظة عندي أشد من الاسترخاء والقيلولة. أنا مثلك، يا سانشو، ملدوغ بتلك الكوابيس، لكني متبرعٌ لمحاربة طواحين الفساد بالرمح الأسطوري هذا. ألا تراه مخيفاً ويبث الرعب في أنفس الأعداء، يا سانشو؟

سانشو: أجل، يا سيدي الدون. بل أكثر من ذلك أيضاً، عندما تصبح هذه الطواحين مفتونة برمحك والدرع والشوارب.

دون كيشوت: والحصان. هل نسيت هذا المخلوق الجهبذ؟!

سانشو: هؤلاء لا ينظرون إلى الحصان كحيوان قط، بل يرونه عرشاً يعتليه مقاتلٌ يختزنُ النيرانَ بصدره من دون أن تنال منه الحرائق.

دون كيشوت: الحصان عرشاً... ذلك هو النصر، يا سانشو. فالنصر مكانٌ قد يسهل الوصول إليه من دون خوذة ورمح وحصان متخرج في مدارس الفروسية وميادين الوغى. لكن قل لي، يا سانشو: هل سنجد على الأرض الجديدة طواحين هواء تغصّ بمحاربين؟

سانشو: حتماً، يا سيدي الدون. فكل حيتان المال وقطط الأرض السمان ستنتقل إلى هناك سريعاً، لتكون في انتظارك على تراب الكوكب "كبلر".

دون كيشوت: وماذا لو سبقتهم أنا على هذا الحصان، وأجهزت على فلولهم بمجرد أن يضعوا أقدامهم على تلك الأرض الجديدة؟

سانشو: آنذاك لا يكون على وكالة "ناسا" إلا أن تستبدل اسم "كبلر" باسم آخر: دون كيشوت.

دون كيشوت: حقاً، يا سانشو. فهذا الاسم لم يدخل التاريخ اعتباطيّاً.

***

آبار النصوص

نيويورك...

هذه عيون، أم ملجأ لأيتام الملائكة. سندخل الدماغ. لنحرر صورنا من التقاويم المؤجلة .

كذلك، ستذهب بنا طفولتنا نحو البريد لنرحل في كمال الرماد. لا بلادَ لنا إلا اللغة. و

لماذا على سلة الغسيل أن تحمل ورد الديناميت في الشرق؟

تلك هي نيويورك. اللا فاصل التاريخي ما بين جثة المتنبي والـ C.I.A

***

غرفة للغرائز

ما قلّبتُ يوماً من التقويم الهجري لأقرأ عن حدثٍ، إلا خرجت في وجهي جثث عاثت بها الرماح والسيوف وحوافر الخيل. فالشعر الذي كان سائداً هناك، طالما استطعم رائحة الحرب، وغرق في بركها الحمراء زائد الغبار، قبل أن تقع شفاهه على جسد الحب الذي عادةً ما يُذكّرنا بحالته العذرية، ابتعاداً عن الشبهات، وتطهيراً للنص من الزنى! وسواء كان اليوم هجرياً أم ميلادياً، فمن المؤكد أن نعرف أن الشعر هو نوع خيالي من الفسق الروحاني الذي يشرب بكؤوسه الشاعر حتى الثمالة، ويمارس الحبّ إلى حدود الغيبوبة تطهيراً لأرواح الآلهة اللغويين من التصحر والظلام والغبن، وكسراً لتلك العذرية التي عادة ما يقف وراءها عَشْماوي الجلاد. فالفسقُ الشعري ليس خروجاً عن طاعة الديانات، بقدر ما هو تثميلٌ للغة، من أجل نصّ منزوع من ألغام الإرهاب القبلي وترهات نقاد السوق السوداء.

***

بنك الخيال

واجبٌ إضافي للقصيدة: الطيرانُ تحت ثياب تلك الأساطير.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم