الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

لبنانيون مرشحون للانتخابات الفرنسية هرباً من "الديكتاتورية اللبنانية المقنّعة"

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
لبنانيون مرشحون للانتخابات الفرنسية هرباً من "الديكتاتورية اللبنانية المقنّعة"
لبنانيون مرشحون للانتخابات الفرنسية هرباً من "الديكتاتورية اللبنانية المقنّعة"
A+ A-

تخطى الفرنسيون المرحلة الأولى المصيرية بانتخاب رئيس للجمهورية الخامسة، ويستعدون للانتخابات التشريعية التي ستُجرى في 11 حزيران. ويأمل الرئيس إيمانويل ماكرون الحصول على أغلبية برلمانية في الجولة الأولى. ووفقاً لاستطلاعين للرأي، يتبين أنَّ حزب Enmarche الذي يرأسه ماكرون يتصدر المركز الأول، ويليه في المركز الثاني الجمهوريون اليمينيون، وفي الثالث الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة برئاسة مارين لوبان، وحزب اليساري جان- لوك ميلينتشون في المركز الرابع. وستجرى الانتخابات البرلمانية خلال جولتين مثل الانتخابات الرئاسية. أما اللبنانيون الذي حرموا لسنوات حق الاقتراع جراء سنوات التمديد، لأنَّ المقاعد محصورة بأسماء ووجوه تتكرر منذ عقود، فقد وجدوا في فرنسا المتنفّس الأفضل للترشح وإيصال صوتهم. اللبنانيان غوستاف فايار ونقولا نقولا يخوضان الانتخابات الفرنسية عن الدائرة العاشرة الخاصة بفرنسيي الاغتراب. وأطلقا حملتهما الانتخابية من لبنان البلد الذي يضم 24,000 منتخب من أصل فرنسي مما يشكل 20 في المئة من الناخبين، وأعلنا برنامجهما الانتخابي في مؤتمر صحافي عقداه في السفارة الفرنسية ببيروت، وتحدثا فيه عن تأسيس استقلالية حزبية جديدة. لينضمَّ إليهما مرشحة لبنانية الأصل في فرنسا، ونائب رديف من أصل لبناني. 

رفض السياسة القديمة

استطلاعا الرأي بيَّنا أنَّ أكثر من نصف الأشخاص يريدون أن يحصل حزب ماكرون على الأغلبية في البرلمان الذي يضم 577 مقعداً. Enmarche الذي تعهد بأن تضمَّ لوائحه مناصفةً الرجال والسيدات، يبدو أنه أبقى على كلمته مع 255 امرأة و256 رجلاً مدرجين في القائمة. وفي حال لم يقنع ماكرون عدداً كافياً من الناخبين بدعم مرشحيه، سيضطر إلى إبرام صفقات مع أفرقاء سياسيين من اتجاهات مختلفة سعياً الى دفع جدول أعماله التشريعي. وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية الأصوات في الجولة الأولى يوم 11 حزيران، فإنَّ المرشحَين الأولَين الحاصلين على أعلى نسبة سيخوضان جولة ثانية في 18 حزيران.

مدى سبع الحاصلة على دكتواره في الفلسفة السياسية والقانونية من جامعة باريس ديكارت - السوربون في فرنسا، والباحثة في مركز PHILéPOL وعضو دائرة الباحثين في شؤون الشرق الأوسط، قصدت القارة العجوز لإكمال دراستها الجامعية، وهي متخصصة بملفات الشرق الأوسط، خصوصاً العلاقة في هذه الدول بين السياسة والدين، فضلاً عن رحلة الديموقراطية. مدى البالغة 32 عاماً وتعيش في فرنسا منذ عام 2004، تشرح في حديث الى "النهار" هو الأول لها مع الصحافة اللبنانية أنَّ "الحياة في لبنان غير سهلة، والسياسة صعبة. تخصصت في الفلسفة السياسية لأنَّ السياسة كانت محور اهتمامي دوماً، ولست ببعيدة عن هذا العالم. في لبنان أسباب جمَّة تعوق خوض المرأة المعترك السياسي أو الترشح للانتخابات، فمن يصلن إلى مناصب نيابية ووزارية من خلفية عائلية سياسية معروفة لا يتحن الفرصة للأخريات. في فرنسا تقدمت بأوراقي للترشح، وأسعى الى إقناع المقترعين بأفكاري للتصويت لي. الفرنسيون يحترمون الأفكار الجديدة ويقدرونها، وقد لا يقتنعون بكل ما أقوله، لكنهم مستمعون جيدون".

وتلفت إلى أنَّ "الانتخابات الرئاسية الفرنسية شهدت تغييراً في الميدان السياسي الفرنسي، فالمقترعون أوضحوا رفضهم السياسة القديمة المؤلفة من اليمين واليسار التقليديين، إذ إنَّ اليسار فشل في سنوات حكمه، واليمين عانى اتهامات وفضائح وفسادا. لذلك، جنحوا نحو التصويت لماكرون الذي كان مجهولاً بالنسبة الى الجميع، وقد منحَ أي شخص فرصة المشاركة في العمل السياسي، حتى لو افتقر إلى الخبرة في هذا المجال، يكفي أن يكون من المجتمع المدني، على عكس ما اعتدنا في لبنان حيث السياسيون موجودون منذ عقود في السلطة".


"طموحي إيصال صوتي"

مدى مرشحة عن حزب يشكل فريقاً من الأغلبية الرئاسية، وتقول: "هو أقرب إلى اليسار، لسنا كلياً مع ماكرون، وحزب Enmarche ليس يميناً ولا يساراً، لكنه يملك بعض الأفكار اليمينية منها الليبرالية الاقتصادية وسعيه لتقليص أعداد الموظفين وزيادة ساعات العمل لتحسين أرباح المؤسسات، فيما نطالب بخفض عدد ساعات العمل لزيادة الإنتاجية في هذه المؤسسات".

بصفتك لبنانية وعربية، ألا تواجهين صعوبة في الترشح في ظل ارتفاع نسبة التعصب؟ تجيب: "شخصياً لم أواجه الكثير من الصعوبات على الرغم من التقائي بأشخاص عنصريين، وفي الورقة التي تُرسل الى المقترعين، أعرض سيرتي الذاتية وأخبرهم بأنني لبنانية من جذور عربية وشرقية، وأسعى إلى أن تبقى فرنسا بلداً منفتحاً لا مغلقاً خائفاً من الإرهاب ومن الأجنبي والعربي. وأرفض ما يقال عن أنَّ المهاجر يأخذ أرض الفرنسي وعمله، وهذه الفكرة عززتها مارين لوبن وسعت إلى كسب أصوات من طريق التشديد على الخوف بعد الهجمات الإرهابية. هناك مكان للجميع، وهذا الخوف غير مبرر. كثرٌ يقولون لي "نحن ضدك" فقط لأنني من جذور عربية، إلاَّ أنَّ المميز في فرنسا هو سهولة التواصل مع الناس الذين يتفاعلون جيداً معي ومع غيري من المرشحين، وهذه الأقاويل لا تُقلل من اندفاعي، بل تُعطيني دفعاً إلى الأمام لأوضح للفرنسيين أنَّ ما يعرفونه عن الآخر غير صحيح وأنَّ بعض ما يسمعونه ويرونه مجتزأ ولا يمثل الحقيقة كاملةً. في النهاية لا يقتصر طموحي على الفوز، بل أريد إيصال صوتي، وأرغب في أن يكون المقترع مقتنعاً ببرنامجي الانتخابي ليصوت لي".

"حلم ماكرون أقنعني"

المهندس المعماري والإعلامي وعميد كلية الإعلام في الجامعة الأنطونية جوزف مكرزل وصاحب مجلة "الدبور"، مرشح عن حزب ماكرون، يقول لـ"النهار": "رشحوني كنائبٍ رديف عن نائبة مغربية الأصل في البرلمان الفرنسي عن حزب Enmarche، وهدفنا إيصال غالبية نيابية داعمة للرئيس ماكرون ليتمكن من الحكم وتحقيق المشاريع التي يطمح اليها. لم أرغب يوماً في أنْ أكون نائباً في لبنان لأنَّ ذلك يتناقض مع مهنتي كإعلامي عليه مراقبة أداء السياسيين في السلطتين التشريعية والتنفيذية، أما في فرنسا فلست بإعلامي. طبعاً، فرنسا بلدي الثاني وتوأم لبنان، وقدَّمت له الكثير وما زالت في كل استحقاق تقف إلى جانبه، وكل رئيس فرنسي خلال لقائه برؤساء العالم يضع لبنان ضمن أولوياته وعلى جدول أعماله. ونعلم تاريخاً كم ساهمت فرنسا في بقاء لبنان حراً ومستقلاً وبحدوده الحالية في ظل تعدديته".


يؤكد مكرزل أنَّ حلم إيمانويل ماكرون في تجديد بلده وإيصاله نحو طموح الفرنسيين أعجبه وحفزه، ويقول: "أولاً، كل الوزراء الذين طرحت أسماؤهم من المجتمع المدني، وهذا ما نحلم به في لبنان، أن يتمكَّن الشباب في المجتمع المدني من تحقيق طموحاتهم ويطوروا البلد بعيداً من صورة السياسيين الحاليين. المسألة الثانية هي المناصفة بين الرجال والنساء، والتي يُرسيها ماكرون، وقد حققها في الوزارة ويسعى إلى تحقيقها في النيابة، وأنا مرشح رديف لأنَّ المرشحة في المقابل امرأة. ويصرُّ ماكرون على درس ملف كل مرشح للتأكد من أن لا غبار عليه من ناحية الأداء أو الفساد. كل ذلك أقنعني وأحسست يوم طرح عليَّ المشروع بالحماسة لخوض هذه المغامرة أو هذا الحلم الجيد لفرنسا كما للبنان".

ويشير إلى أنَّ حزب Enmarche أصر على أن يكون النائب الرديف في الدائرة العاشرة التي تضم 29 بلداً (البلاد العربية وشرق إفريقيا) لبنانياً على الرغم من أنَّ هناك 20 ألف ناخب لبناني فقط، وهذا خير مؤشر لأهمية لبنان. وطبعاً في حال فوزنا بالغالبية النيابية التي يتوقع أن يحصل عليها الرئيس الفرنسي، يجب أن يكون لبنان في صلب الحكم في فرنسا. المفارقة أننا في لبنان لا نملك مجالاً للمشاركة في أي قرار، ونوابنا لم يعودوا يمثلوننا اليوم، أبسط حقوق الشعوب في الديكتاتوريات لم نعد نملكها في لبنان".


ازدواجية غريبة يعيشها اللبنانيون حاملو الجوازات الأجنبية، هم محرومون حقهم في الاقتراع في الانتخابات اللبنانية في الخارج، فيما البلدان التي استضافتهم فتحت أبوابها لهم مقدمةً العلم والأمان، ليضاف إليهما الحق في الترشح والاقتراع والوصول إلى السلطة، حقٌ يحرم ممارسته حتى المقيم في لبنان، أسير طوائف والمذاهب والأحزاب المحتكرة للعمل السياسي.

[email protected]

Twitter: @Salwabouchacra


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم