الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

تسوية أم إصلاح

المصدر: "النهار"
جميل محيدلي
تسوية أم إصلاح
تسوية أم إصلاح
A+ A-

لم يكن يوماً ما يُعرَف بالطائف اتفاقاً، إنما كانت تسوية أعادت الجماعات الطائفية النامية )أصبحت مخضرمة في الطائفية الآن( إلى خيار الدولة عبر اقتسام السلطة، فلم تنتج هذه التسوية لدى الأفراد هوية جامعة لبناء وطن، إنما أنتجت نظام محاصصة علّل حقوق الطوائف في توزيع مقدرات البلد حتى وصل الوضع حالياً إلى ذروته مع المطالبة بقوانين انتخاب تشجّع على الفرز المذهبي، وأمسى إشهار الصفاء الطائفي مصدر اعتزاز يدرّ تأييد أبناء الطائفة للقائد المُخَلِّص وحامي الحقوق من تعدّيات الطوائف الأخرى. 

ومع اختلال التوازن الإقليمي الدولي الذي أرسى تسوية الطائف، وفي ذروة الاشتباك الذي يستطير في المنطقة، نسارع لإفراغ المؤسسات الضامنة للسلم الأهلي وفقاً للمؤامرة التي تبدأ بتفكيك المؤسسات الشرعية وتنحيتها وتنتهي بتدمير الأوطان.

في بلدنا يحدّد قانون الانتخابات النيابية شكل السلطة القادمة، لذلك ينخرط السياسيون في إعداد قوانين انتخاب تناسب طموحاتهم السلطويّة. لكن الإلحاح على مشاريع قوانين لتدجين الناس في أقفاص طائفية هو توغّل في التطرّف والقبلية.

إن مطلب انفراد كل طائفة باختيار ممثليها يحضّ على تضافر العصبيات الطائفية من خلال خطاب انتخابي فئوي، وتالياً سيدفع الجماعات الطائفية الممتدّة في الجغرافيا اللبنانية إلى التحشيد والتعبئة لمواجهة الخطر الداهم من الآخر، ما سيؤدي حتماً إلى التصادم واستدعاء الرعاية الخارجية لحماية المكوّنات الطائفية المهدّدة أو لضمان استئثار مكوّنات أخرى.

أيضاً إنّ أخطر وسائل الضغط اليوم تكمن في السعي إلى فرض شروط في قوانين الانتخاب عبر استخدام ورقة الفراغ ورفدها بالتهديد بالشارع لمنع التمديد، وهذه مغامرة بالمصير اللبناني كله، يمكن أن تختلّ بنتيجتها معادلة السلطة والتوازن الطائفي.

من يعتقد في لبنان أنّ عناصر القوة لديه ستعطيه أرجحية الحسم، هو واهم. هذا مسار خبرناه في الماضي وكانت نتائجه كارثية، لا يمكن على المدى الطويل إخضاع فريق لإرادة فريق آخر، إنه منطق عبثي يزهق الوطن. وهذه عودة إلى ماضي ما قبل الجمهورية، زمن تفكيك الوطن إلى عناصره التأسيسية الأولى؛ تاريخ القائمقاميات وما أنتجته من ثورات على الاقطاع وحروب متكرّرة وتبعيات للخارج...

 المبادرة اليوم في يد الأقوى الذي اعتلى السلطة، ورهان الناس على ما وعد به من إصلاح يؤدي إلى تغيير الوضع القائم المتردّي.

يرتكز الإصلاح على إلغاء الاحتكار السياسي لمصلحة صحة التمثيل الوطني العابر للطوائف، لذلك التغيير لا يبدأ بمذهبة الاقتراع والتمثيل. أليست الوطنية الجامعة لشمل اللبنانيين عبر المواطنة هي أهم خطوة إصلاحية؟

إن شراكة المكوّنات الطائفية في اختيار الممثلين تشكّل سدّاً وطنياً في صدّ موجات التوتر الطائفي التي تجتاح المنطقة، ولا يمكن تحصين الوطن وحمايته من التدخلات الخارجية الا بتعزيز اللحمة الوطنية عبر إشراك الجميع في الاختيار سويةً: معاً في اختيار النواب والممثلين، معاً في حماية المؤسسات الوطنية وعلى رأسها الجيش، معاً لإنماء جميع المكونات وعدم إقصاء الأقليات، معاً حتى لا نستحضر التسويات.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم