الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"زفاف… يان": نظرة الراعي إلى الرعية!

المصدر: "النهار"
"زفاف… يان": نظرة الراعي إلى الرعية!
"زفاف… يان": نظرة الراعي إلى الرعية!
A+ A-

"زفاف… يان"، كوميديا مفتعلة تعرضها الصالات اللبنانية منذ نحو 3 أسابيع، وجذبت إلى الآن أكثر من 70 ألف مشاهد، وهذا سبب كافٍ لتناولها في مقال. فما يُعرف بالصحافة الفنية في لبنان، ليس أكثر من آلة دعائية بغيضة للفنانين، أو انغماس في تفاصيلهم الشخصية الباعثة على الملل. ليس مطلوباً ربما من ميديا وصلت إلى هذا المستوى نقداً أو تحليلاً لظواهر فنية، فهذه أمور تتجاوز امكاناتها الفكرية المتواضعة وكفايات العاملين فيها. إلا أنّ الوضع يصبح أشد خطورة عندما تنعدم الأقلام في الصحافة الرصينة التي لطالما كانت من مسؤولياتها النظر في حالات تجارية كهذه تحقّق أرباحاً كبيرة باسم #السينما، أو بالأحرى على حسابها.

لوهلة، بعد تأمل البوستر، يخال للمرء أنه أمام إعلان ترويجي لسلعة ما. فالبوستر يصوّر رجلاً وامرأة يركضان خلف عروس وعريس، والأخيران يتظاهران بالخوف والقلق. يحمل الرجل في يده ساطوراً وتشدّه المرأة إلى الخلف في محاولة لردعه. صورة تمهّد لواحدة من أكثر التمثيليات بهتاناً، عُرضت في لبنان أخيراً، ولم يُكتب عنها حرف، حتى على سبيل السخرية. أقصى ما نُشر هو مديح ببغائي وعلاقات عامة تتطور أحياناً إلى كلام عن دخول السينما اللبنانية في مفترق جديد. أها! 

بعد مشهد الافتتاح بقليل، يتأكد المرء انه لم يكن مخطئاً، فالفيلم فعلاً إعلان ترويجي. إعلان لكلّ مكوّنات السينما اللبنانية الهابطة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وساهمت التقنيات الحديثة والمعدّات الخفيفة في عبور أسلس من الفكرة إلى الإنجاز. أي، بمعنى آخر، صار تجسيد الغباء على الشاشة أسهل، لا يحتاج إلى إمكانات كبيرة. كما ترون، تعميم المعرفة، على أهميته، لا يخلو من بعض المساوئ.

يصعب بناء سردية أكثر تهافتاً من "زفاف… يان": شاب (كارلوس عازار) يرث ثروة مالية من جدته، لكنها تشترط عليه أن يتزوج فتاة تشبه صورة فتاة أخرى كانت السبب في اثراء العائلة (هذا الذي فهمته). هذا الشاب الذي لا يهتم إلا بالخروج مع فتيات عابرات في حياته، يباشر البحث عن الفتاة "المطلوبة" التي تشبه تلك الصورة، ليجدها أخيراً في أحد أحياء برج حمّود، ابنة عائلة أرمنية محافظة. لوالد هذه الصبية (ايميه الصيّاح) مطعم يعتاش منه. أفكاره تقليدية في طبيعة الحال، وطموحه لا يتخطى الحي الذي يقطنه. وكونه يعيش في حي يُعتبر معقل الأرمن (برج حمود)، فمن المستحيل أن يقبل بتزويج ابنته إلى شاب من غير طائفته! لكم ان تتخيلوا معدن الشخصية التي نتحدث عنها هنا، إذا علمتم أنّ الرجل هذا يجسّده الكوميدي بيار شماسيان، الممثل الذي استهلك كاريكاتور الأرمني العاجز عن التحدث بلغة عربية سليمة، إلى حدّ فقد طرافته.

الفيلم لا يمتلك أي ادعاء ليخفيه، فهو يوفر لزبائنه وجبة دسمة من التهريج والزيف على الطريقة اللبنانية. الا أنّ هذا النمط الذي بلورته بعض الأفلام يقفز قفزة اضافية هنا معبّراً عن عقلية بعض أصحاب الكومبينات السينمائية في لبنان في بُعدهم الفاضح عن الواقع اللبناني وتجاهلهم لتعقيداته. توجد أفلام تقول عن صنّاعها أكثر مما تقول عن مجتمعنا. "زفاف… يان" من هذه الأفلام، فهو يكشف من حيث لا يعي، النحو الذي يتم النظر به إلى فئة من المجتمع اللبناني، حتى من النخبة التي تصنع الأفلام. نصّ سينمائي كهذا يعيد تعريف السينما على طريقته الخاصة، ويؤكد مرة جديدة أنّ كتّاب السيناريو لا يقيمون أي اعتبار للمعنى الحقيقي للكوميديا، فتلتبس عليهم الأشياء دائماً. كلّ كتّاب الكوميديا القديرين يعرفون جيداً أنّ فنّهم لا يعني تهريجاً وبناء اعتباطياً على واقع زائف. لا تنعزل الكوميديا بأي شكل من الأشكال عن واقع موجود. هي لا تعني تسطيحاً لواقع يدعّي الكاتب أفلمته.

"زفاف… يان" الذي أخرجته كارولين ميلان بلا أي لمعة أو موهبة في التقاط شيء من السياق الاجتماعي، يتّخذ شكل حلقة تلفزيونية بكادراته القبيحة وإخراجه الوظيفي. وضع السيناريو الكاتب التلفزيوني شكري أنيس فاخوري، وهو يتحمّل المسؤولية كاملة في انحدار الفيلم إلى هذا المستوى الكتابي. وهذا، إن أشار إلى شيء، فهو يشير إلى الأزمة التي تعانيها الكتابة السينمائية.

صحيح أنّ الفيلم يستكشف جانباً غير مُستكشف سينمائياً من المجتمع اللبناني، لكنه يستثمر فيه ببؤس وبنظرة الراعي إلى الرعية. هذا واضح في زلة فاخوري الذي يقول إنّ المجتمع الأرمني "يشارك المجتمع اللبناني تفاصيله اليومية"، في اعتباره مجتمعاً موازياً لا يلتقي بالمجتمع الحقيقي. هذا كله يكرّس فكرة (بعض) اللبنانيين عن هذه الطائفة، وهي فكرة لم تتغير كثيراً على مدى سنوات، فأبناء هذه الطائفة من منظور طائفة أخرى لا يجيدون تكلّم العربية، ولا يبيعون سوى البسطرمة والسجق ولا يختلطون بالآخرين. تجّار، يعيشون في غيتو، يحلمون بالعودة إلى أرمينيا، الخ. هذه النظرة المختزلة كانت لتكون عادية لو طالت الشخصيات المحددة التي يصورها الفيلم، ولكن هناك اتجاه في النصّ للقول: "هؤلاء هم الأرمن". وهذا سببه أنّ السينما الشعبية التي تأتي بهذه المعايير غير معنية بالتفاصيل إلا في اطار قدرتها على توظيف تلك التفاصيل لبناء خطاب عام.

تبقى العلة الكبرى: فعائلة الفتاة تريد تزويجها للاعب كرة قدم من أحد الفرق الأرمنية، وهو ما لا تريده. تخيلوا عائلة تعيش داخل المدينة في زمننا الحالي، وتريد تزويج ابنتها التي في العشرينات من عمرها وتدرّس الموسيقى، إلى شخص لا تعرفه قطّ، ويزورها هو وأهله فجأة لطلب يدها. لا تعليق! 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم