السبت - 04 أيار 2024

إعلان

سيول طرابلس: "البنى التحتية لعام 1942 لا تصلح لعام 2015"

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
سيول طرابلس: "البنى التحتية لعام 1942 لا تصلح لعام 2015"
سيول طرابلس: "البنى التحتية لعام 1942 لا تصلح لعام 2015"
A+ A-

بعد أقل من ساعة من هطول الأمطار الذي شهدته مدينة طرابلس ظهر امس، تحولت الأحياء والشوارع إلى أنهار وفيضانات في الأسواق القديمة من سوق القمح إلى سوق الخضار، فشارع سوريا، وبولفار باب التبانة من مستديرة نهر أبو علي إلى مستديرة الملولة.


ليس هطول الامطار بظاهرة جديدة، لا بل أقل من عادية، ويوم لم يكن الاختلال المناخي قد وقع، وبلغ مبلغه المتقدم، كان الهطول يستمر ساعات طويلة، لكن لم تكن تتشكل السيول والفيضانات في الشوارع والأحياء بالقدر الذي شهدته هذا العام، وفي مرات متكررة.


حلت الظهيرة، وبدأ المطر يقوى ويشتد، وما هي إلا دقائق حتى تحولت العديد من المعابر والطرق إلى أنهار جارفة من السيول. ففاضت الشوارع بالمياه، وارتفعت أكثر من نصف متر، ولم تعد الأرصفة قادرة على عزلها، وردها عن المحلات التجارية، فدخلت إلى مئات المحلات، والحقت أضراراً مادية جسيمة، على ما افاد مختار محلة باب التبانة محمود الزعبي لـ"النهار"، مضيفاً أن "السبب هو تقصير المراجع المختصة عن الاهتمام بهذه المنطقة، وإعادة تأهيل البنية التحتية فيها".


 


الزعبي أفاد أن "السيول دخلت مكاتبه القريبة من مستديرة نهر أبو علي، وارتفعت داخل المحل زهاء السبعين سنتيمتراً. لم أعرف كيف أخرج من المحل هرباً".


محل الزعبي كان واحداً من عشرات المحلات المنتشرة قربه، وقبالته على الضفة الأخرى من النهر.


في سوق القمح القديم، كان المشهد أكثر مأسوية حيث ترتفع تلة القبة بضع عشرات من الأمتار عن ارض الشارع. فوق السوق، تقع منطقة الشعراني، تجمعت السيول منها، وتدفقت نزولاً في الممرات الموصلة بين المنطقتين العليا والسفلى من المحلة، تراكمت الأتربة، والأنقاض، وتشققت طبقة الزفت التي تغطي الشوارع، وتضعضعت جدران من حجارة الأسمنت (الخفان).


يقول فتيان عبيد من تجار المحلة القدامى: "مضى علي اربعين عاما في هذا الشارع، وورثت العمل عن والدي الذي سبقني إليه بستين عاما، وخلال كل تلك الفترة، لم نشهد ما شاهدناه من مظهر للسيول إلا مرة واحدة. كان ذلك في العام 1955 يوم فاض نهر أبو علي، وجرف مئات المنازل، وشرد الآلاف. ذكرتني سيول اليوم بذلك الفيضان حتى ولو كان على مستوى أصغر".


 


يشرح عبيد أن هذه المنطقة باتت مهملة بما لا يطاق من البلدية، والدوائر المختصة. ففي القرن الماضي، كانت المحلة، مع باب التبانة تعرف بسوق الذهب نظراً إلى نشاط الحركة الاقتصادية فيها من تجارة وحرف. كان أبناء المناطق المجاورة يرتادونها لشراء حاجاتهم البسيطة. ابن عكار جاء إلى هنا لشراء المسامير، والقهوة، والأرز، وكل ما احتاجه، وكذلك كل أبناء المناطق المجاورة. لكن بعد الحروب التي وقعت فيها، تحولت ذكرى أسواق".


ويصف التاجر مايز عوض المشهد بالمذهل، والغريب الذي لم نعهده سابقاً، وأفاد أنه تلافى الخسارة الكبيرة بإسراعه إلى إقفال الأبواب التي منعت السيول من التدفق لوقت طويل في محلاته. وهذا ما فعله جيرانه الذين لم ينجوا من الأضرار.


ويقول التاجر أحمد مشحاوي أن ما شاهده هو "حركة مقلوبة للسيول، فبدلاً من أن تتدفق السيول في الأقنية و"الريغارات"، خرجت السيول منها بقوة منتشرة في كل مكان دون قدرة على ردها، وعند كل شتوة تفيض الأقنية بالمياه".


 


تاجر آخر يشير إلى الأمكنة التي ضربتها السيول في جوار محله في طلعة الشعراني، حيث بدت مصبعات، مخصصة لتصريف المياه إلى الأقنية، متحركة من أمكنتها بسبب اضطرار السكان إلى إزالتها بهدف تنظيفها من الرمال والترسبات التي سدت منافذها إلى الأقنية.


والأغرب ما ظهر تحت المصبعات، وهي الأقنية المفترض أن تكون عاملا لتصريف المياه، لكن حجمها الذي لا يزيد على ثمانية إنشات، يخصص عادة للمنازل، وليس للشوارع الكبيرة.


 


وإلى الأعلى قليلاً، درج بين السوق وحي الشعراني، يسمع هدير سيول راحلة في إحدى الأقنية، لكن القناة تمكنت اخيرا من استيعاب بقايا السيول بعد أن تدفق غالبها سابقا إلى الأمكنة العامة، وجرفت السيول الأتربة والحصى التي رست على الأدراج تعطل إمكانية عبورها. واشار التاجر إلى التشققات في الأرض، وبعض الجدران المجاورة جراء السيول، ويقول: "السبب رداءة تجهيزات صرف السيول، والصرف الصحي ولا احد يهتم".


 


ويستطرد المختار الزعبي بقوله ان "السبب واضح وهو إهمال المنطقة، فقد كانت تستوعب ألف منزل أواسط القرن الماضي، وهي تستوعب اليوم سبعة آلاف منزل، لكن الأقنية بقيت على حالها، ولم يجر تبديلها ولا توسيعها، وننتظر أن نشهد هذه الظاهرة عند كل شتوة، وإذا صب كل بيت كوبا من الماء، فاضت القنوات. البنية التحتية التي نفذت منذ العام 1942 باقنية من أربعة إنشات، لا تزال هي عينها من غير أن يتغير فيها أي شيء. امتلأت المستودعات المليئة بالبضاعة بالسيول، وأتلف الكثير، والأضرار جسيمة. اتصلنا بالهيئة العليا للإغاثة، الذين اعطوا توجيهات بعدم فتح المحلات".


 


ويوضح: "لقد اضطررنا أن نكسر جدار النهر العازل بطريقة غير شرعية وغير قانونية لتسهيل تصريف المياه في النهر وإنقاذ الموقف. كسرناهاخلافا للقانون. نحن لا نخاف أحدا، فالذي يخدم المنطقة نسميه محسناً، والذي يسيء إليها نسميه مسيئاً، ولا نخاف إلا رب العالمين، ونقطة على السطر".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم