هل يكون كوربن تسيبراس البريطاني؟

سجّل الفائز حديثاً بانتخابات رئاسة #حزب_العمّال البريطاني #جيريمي_كوربن مفاجأة مهمّة حين جاء فوزه بأريحيّة 59.5 في المئة من الاصوات الناخبة حيث تفوّق على ثلاثة مرشّحين يصنّفون من ضمن أقوياء الحزب بينهم وزيران سابقان هما ايفيت كوبر وأندي برنهام إضافة الى النائب ليز كندال.

تختلط أفكار كوربن اليساريّة بشخصيّة غير تقليديّة، فهو على رغم تقدّمه بالسّنّ إلّا أنّه ما زال يحتفظ بالنظرة الثوريّة الى بعض الاحداث، فيذهب حدّ مخالفة سياسة دولته لا بل سياسة حزبه حتّى، في مجالات عدة.

ولد كوربن في 26 أيّار سنة 1946 في شيبنهام. والده ديفيد مهندس كهربائي، والدته ناومي أستاذة في مادّة الرياضيّات. وهما من منظّمي حملات متنقّلة دعماً للسلام حيث أورثا ابنهما حبّ الكفاح لقضايا السلام العالمي. شقيقه بيرس راصد جوّيّ ويملك خدمته الخاصّة لرصد احوال الطقس. مراهقته كانت نضاليّة بامتياز، فالمدرسة لم تمنعه من الدخول في حركة "الشباب الاشتراكيّين". لكنّ انخراطه في العمل السياسي المبكر قد يكون من الاسباب التي منعته من متابعة تحصيل علمه الجامعي، فساهم هذا الامر في دخول الندوة البرلمانيّة عام 1983 حين كان في أواسط الثلاثينات من عمره.

وقف بشدّة ضد الغزو الاميركي للعراق عام 2003 حيث نظّم حملات عرفت ب"أوقفوا الحرب". وكان في شهر آب الماضي أعلن أنّه سيعتذر عن الحرب على العراق وعن المآسي التي تسبّبتها #بريطانيا للعراقيّين في حال انتخب رئيساً لحزب العمّال. وبالحديث عن الحملات التي خاضها، عرف عنه اندفاعه في كلّ القضايا التي انخرط في حمل لوائها مثل الاتحاد ضد الرياضات الوحشية (صيد الثعالب ومصارعة الثيران)، وحملة إطلاق سراح #نيلسون_مانديلا وحملة التعويض على ضحايا الديكتاتور التشيليّ السابق #أوغوستو_بينوشيه وغيرها ...

يصف كوربن نفسه بأنّه ديموقراطيّ اشتراكيّ. يتفرّغ لكتابة المقالات الاسبوعيّة في صحيفة "مورنينغ ستار" الانكليزيّة. بحسب صحيفة "ميرور" الانكليزية عارض سياسات حزبه أكثر من 500 مرّة وفي مجالات عدّة. أمّا صحيفة "الغارديان" البريطانيّة فتختصره بأنّه "مضادّ لبلير" رئيس الحكومة البريطانيّ السابق الذي ينتمي الى نفس الحزب. إندفاعه السياسي جعله عام 1984 يدعو ممثّلين عن الجيش الجمهوري الايرلندي الى مجلس العموم البريطاني في خطوة لاقت الكثير من الاستهجان.

وقف مؤخّراً ضدّ تصرّفات حلف شمال الاطلسي في #أوكرانيا. وهو من مناهضي السياسات الاسرائيليّة فدعا الى مقاطعة بضائعها رفضاً لما ترتكبه من أعمال عدوانيّة في #غزّة. يدعو الى نزع السلاح النووي حتى ولو تمّ بشكل آحاديّ.

حياتيّاً، يتنقّل على درّاجته الهوائيّة ويهتمّ بحديقته بنفسه. ناهض التمييز على أساس الجنس كما كان من أشدّ الداعمين لزواج المثليّين الى درجة إعلانه وجوب تهديد الدول التي لا تدعم حقوق المثليّين ديبلوماسيّاً واقتصاديّاً.

إقتصاديّاً، يرى أنّ حزب العمّال خسر الانتخابات النيابية لان اد ميليباند لم يكن "يساريّاً بما فيه الكفاية". يتطلّع الى الغاء الرسوم الدراسية ورفع الضريبة على ارباح الشركات كما خفض دعمها. تقوية قوانين معاقبة التهرّب الضريبي تعتبر من أولويّاته. ويؤيّد كوربين تأميم بعض الشركات وخصوصاً شركات القطارات والطاقة. يسعى الى إلغاء سياسات التقشّف التي تنتهجها الحكومة الحاليّة ل#ديفيد كاميرون.

تنقل هيئة الاذاعة البريطانيّة "بي بي سي" عن مؤيّديه قولهم إنّه الرجل النزيه الوحيد المتبقّي في عالم السايسة وهو الذي بإمكانه أن يلهم جيلاً جديداً من الناشطين ويعطيهم الامل باحتمال ايجاد بديل عن النيو الليبيرالية. لكنّ تطبيق الافكار التي ينادي بها كوربن أمر صعب المنال في اقتصاد ينحو الى رأسماليّة أكثر راديكاليّة من ذي قبل. لذلك قد يحتاج كوربن الى مزيد من الليونة في طريقة طرح الافكار والتعاطي مع المستجدّات. لكن في نهاية الامر، ومع أنّ المعارضة في #بريطانيا هي بمثابة حكومة ظلّ، إلّا أنّه يبقى في موقع غير القادر على إقرار مشروع سياسي. لذلك سينصبّ هدفه الآن على تأمين فوز حزبه في الانتخابات النيابيّة المقبلة بعد خمس سنوات.

فهل ينجح كوربن في تلك المهمّة أوّلاً على رغم تشكيك كثيرين في قدرته الفعليّة على قيادة حزبه الى المسار الصحيح؟ أم أنّ الصفة التي أطلقتها "الغارديان" على الرجل بأنّه "نسخة أقدم عن ألكسيس تسيبراس" ستكشف عن تشلّع خطّته بين المبادئ السامية من جهة ومتطلّبات السياسة الحزبيّة والوطنيّة من جهة أخرى؟