الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

قوى سفلية تحكم الأرض

أسامة مهران
قوى سفلية تحكم الأرض
قوى سفلية تحكم الأرض
A+ A-

كان لا بدّ أن نفهم، من يحكم العالم يا ترى؟ هل هم السلاطين المتوّجون، أو العسكر "المنقلبون"، أو الرؤساء المنتخبون؟ هل هي القوى الفاعلة في المجتمعات، والمؤثّرة في التجاذبات، والمحرّكة لكوكب المعاناة؟

من دون مقدمات كان الهلع قد وصل إلى ذروته والعالم على وشك أن يستقبل العام 2020، وكانت الفوضى العارمة التي انتابت التنبؤات بمثابة الحالة المزرية التي أفقدت صانعي القرار توازنهم، وحاملي المباخر توازناتهم، وحتى العلماء، والفلكيون، والمنجمون، أصبحوا بلا مخالب فكرية، أو إفصاحات معلوماتية، أو حقائق علمية، جميعهم استشعروا عن بُعد أن العام المقبل سيكون صارمًا بكل تأكيد، وأن الحديث عن الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية، وعوادم السفن الفضائية، ذهبت إلى البعيد، لكنها لم تعد إلينا لا بأفكار إبداعيّة، ولا بأخبار جهنميّة، ولا حتى بأحداث ترتبط بدوران عقارب الساعة عكس طبيعتها العبقرية.

الحديث لم يخرج عن "أوزون" يتهالك، أو تسونامي مرتقب، أو بيئة متردية، أو أسواق نفطية متهاوية.

لم يخرج علينا عالِم يتيم بفكرة عن مرض مستعصٍ أو عن وباء مستشر، ولم يبشر الأطباء بعلاج للمقبل المجهول، أو بلقاح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كل ما هنالك مجرد سباق بين معامل التجارب على كشف شبه معلوم، ووئام ما بين مراكز البحوث على حالة الاسترخاء التي جعلت من تجاربها مجرد لقاحات تم إشعال فتيلها أكثر من مرة.

لا العلماء استشعروا عن بعد بأن جائحة تحلق على الكوكب من بلاد الشموس المشرقة، ولا خبراء الاقتصاد فسّروا لنا طبيعة الكارثة الاقتصادية التي تقترب مراكبها المدججة بالانهيارات من حدود كونية بعينها، ولا السياسيون أفرغوا ما في جعبتهم من شعارات كي يستقلوا بمهارة قطار المصالح السريع، أو على الأقل كي يدلّلوا ويثبتوا مواقعهم تحت غبار الغيبوبة القديم.

واحتفل العالم على استحياء برأس السنة الميلادية الجديدة؛ كان الزحام شديدًا في ميادين الحضارة وأبراج السماء، بل وعلى المدن الكبيرة المتأنقة، وتلك التي وافتها المنية بفعل الوباء... وأي وباء.

لم يدرك الناس، ولم تسعفهم خطتهم الفطرية بأن هذا التكدس على إطلاق الألعاب النارية، وذلك التزاحم على رؤية مجرات افتراضية، وتلك المشقة التي يعاني من خلالها نفر مدمنون على السفر والتجوال، وأولئك الذين لم يدركوا أنهم سوف يكونون في ذمة التاريخ بدلاً من الحِلّ والترحال .

وجاء العام 2020 بشائعة من هنا، وأخرى من هناك؛ بعض من البشرية المعذبة يتحدث عن مرض غامض في ووهان الصينية قد بدأ في الخروج عن المألوف، بل إنه بدأ في التسلل إلى مقاطعات "تنّينيّة" أخرى. العالم لم ينتبه لإشارة النمط الآسيوي في الإعلان المبدئي عن كارثة محدقة، حيث إنه تحذير مبطن لكنه لم يكن مفهومًا، وحيث إنه إنذار كاتم للصوت من بشر لا يؤمنون بضجيج الغرب، ولا يتقنون ضوضاءهم المتعالية، أو ألاعيبهم المتفانية.

لم يفهم العالم رسالة الأخوة في "التيبت"، ولم يقتنع علماء المقاعد المخملية بأن معملًا يمكن له أن يكتشف وباءً جامحًا من قبل أن ترصده مختبراتهم المغرورة، ولم تفتح الجامعات ملفاتها ومراجعها، لكي تقرأ في علوم الأجنّة والفيروسات غير الخلوية، أو في علوم اللامرئيات الدقيقة المطوية، لم يكلفوا أنفسهم عناء التخاطب من أجل أن نفهم، ولا التعاون من أجل أن نعرف، ولا الحوار من أجل أن يتضح الخيط الأبيض من نظيره الأسود.

أصبح العالم في وادٍ ووهان الصينية في آخر، تقاتل وحدها كورونا اللعين من بيت إلى بيت، ومن حارة إلى حارة، ومن معمل تجارب إلى منصة تخاطب، ومن قناة إعلامية مغرضة إلى وسيلة دعائية مغرضة... وضاعت الحقيقة بين اتهامات واتهامات معاكسة، الحرب التجارية بين الصين وأميركا تحولت إلى حرب أوبئة، إلى توزيع أدوار لحماية النظام العالمي القديم، إلى تراشق بالكمامات والقفازات وأجهزة التنفس الاصطناعي، والروبوت القائم بأعمال الأطباء والممرضات والطواقم المعاونة.

رغم ذلك، فإن أحدًا لم يتحدث عن كتلة بالغة التأثير في الكون، كتلة جامحة تملك ولا تحكم، تملك الثروة والمعرفة والإبداع، والتكنولوجيا الفارقة، وأخرى تحكم بالديمقراطية والانقلابات العسكرية، والعلاقات الدولية النافقة.

فجأة ومن دون مقدمات قرر العالم الذي يملك أن يحكم الكوكب المريض، أن يتحكّم في معمل تجارب لديه الخلطة السحرية لعلاج كورونا، والعلاج الناجع لمنع الانتشار العنكبوتي للوباء، واللقاح المانع للبشرية من الفناء، والمصل المُعدّ إكلينكيًّا كي يصبح بديلًا ناجحاً عند الضرورة وعندما تتفاقم الأشياء .

الذين يمتلكون الثروة والذين يضمنون عدالة توزيعها، الذين يتزينون بالمعرفة ويحتكرون آليات تنظيمها، والذين يستيقظون من سباتهم كي يحرّكوا الماء الراكد في بحيرات آسنة وفي كواكب أخرى ماجنة، الذين يحترمون العلم والعلماء لا الفنانين والرياضيين النجباء، هم الذين سيحكمون بعد انتظار، لن يكتفوا بعضّ الأصابع بعد اليوم، ولا بالتصفيق الحاد بعد كل هزيمة، ولا باحتساء العسل المرّ مع كل جائحة.

لقد قررت القوى التي تملك أن تحكم بأمر الحاجة والتأثير، أن تتحكّم بحكم الجائحة وتحديد المصير، أن تستولي على العروش بقرار سفلي من أمّة المعارف والمناحي ورجاحة التفكير، أمّة غير شرعية تحالفية من ماسونية روتارية وصهيونية عالمية وجماعات ضغط، سمِّها ما شئت، وأطلق عليها الرصاصات الطائشة لو تريد، ووفِّر لها فروض الطاعة والولاء لو تحب، لكنها في النهاية والبداية، هي البديل الوحيد لحرب مستعرة بين قوتين عظميين على الأرض، أمام قوة وحيدة لا تفهم إلا في لغة الخلاص من تحت الأرض.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم