الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

حكمة مايك تايسون واللانجاة

موسى جابر
حكمة مايك تايسون واللانجاة
حكمة مايك تايسون واللانجاة
A+ A-

قال مايك تايسون هو بطل العالم للملاكمة في الوزن الثقيل، الملاكم المشهور بعنفه وصخب حياته، يوماً: "كل الناس جيدون الى ان يتلقوا لكمةً على وجههم". 

مغزى كلام تايسون هو أنّ كل الناس يتأرجحون ما بين كونهم جيدين أو سيئين، على عكس معطيات المذاهب الروحية التي تقول بالصفات المطلقة وخصال الأنبياء والقديسين.

المعطى البارز أمامنا يتحدّث عن تأرجحنا ما بين حالتين متناقضتين ومفاضلتنا لإحدى الحالات دون الأخرى.

ما هو سبب هذا التناقض وما سبب المفاضلة وهل هي حالة ملازمة لتركيبنا الفيزيولوجي؟

الجواب يكون دائماً بالبحث عن تأثير المداميك اللامتناهية الصغر (عالم فيزياء الكم)، التي تدخل في بنية كل ما يحيط بنا، من أكبر الأجرام السماوية وصولاً إلى الذرات.

قد نكون، نحن الكائنات الحية، أكثر تأثراً بعالم الفيزياء الكمية من الكواكب والأشياء الساكنة.

ففي وظيفة التفكير لدينا، نحن الحيوانات وما يتفق على تسميته التفاعل النفسي، فإن دور قواعد الفيزياء الكمية وسلوك الجسيمات المادون ذرية كالالكترون مثلاً، يكون جديراً بالأخذ بالحسبان. 

الوعي والذاكرة وتفاعلات النفس البشرية ناتجة عن الدارة الكهربائية بين خلايا الدماغ والوصلات العصبية والأساس في الدارة الكهربائية هي حركة الالكترونات. 

كل الجمال الذي نراه في الكائنات الحية، هو نتيجة مباشرة لقواعد الفيزياء الكمية وسلوكيات الجسيمات المادون ذرية.

التطور الحاصل والتكنولوجيا الرقمية عصبها التعرف على الالكترون أكثر، والقدرة على رصد مكانه وحركته وترتيبه.

في سعي العلماء إلى التعرف على سلوك الالكترونات، تفاجاؤوا بسلوك غريب لهذا الجزيء وهو ما يتعارف عليه بالإزدواجية الموجية والجزيئية.

لكن خلافاً للمعتقد، لا تعني هذه الازدواجية أنّ الالكترون هو موجة وجُزيء في الوقت عينه، بل أنّ حركته تشير الى احتمال وجوده في أماكن أكثر من أخرى، والى عدم امكان وجوده في أماكن محددة.

يطلق على أماكن تواجد الالكترون "الوظيفة الموجية" أو wave function، وبالتالي فإنّ الالكترون هو جسيم موجود على موجة مفترضة، رأس هذه الموجة تدل على اكبر احتمالية يتواجد فيها الالكترون والخط الساكن الذي يؤشر للمكان الذي لا يمكن أن يوجد به الالكترون. وشكل هذه الدالة الموجية هو كشكل أي موجة نعرفها.

كما أسلفنا، فإنّ الحالة النفسية والوعي و لتفكير الذي تحكمه الدارة الكهربائية في الدماغ والوصلات العصبية الكيميائية تتأثر بسلوك الالكترون، فالوعي ليس سوى حاصل الموجات الكهربائية الناتجة عن حركة الالكترونات في لحظة معينة.

دالتنا النفسية تتأرجح ما بين المادة والوهم، واصطلاح الوهم يُقصد فيه فقط عدم جواز احتمالية فقط، الوهم شيء مادي موجود.

السلّم الذي تتأرجح أنفسنا عليه محدود بين المادة والوهم، أما الطاقة المحركة فهي الشهوة.

رحلتنا التطورية هي التي رسمت سلّم القيم صعوداً من الأرض باتجاه السماء، من أسفل إلى أعلى، رحلة من المادة الثقيلة والأنا الجذعية إلى وهم الغيوم والتنور و"ألم نشرح لك صدرك"، و"سماوات تتفتح وتنزل منها ملائكة بيضاء". 

كل شيء مصنوع من المادة، لكن جهلنا لم يرنا كلّ أشكالها.

كل الفلسفات أو العلوم المترهلة، كانت تعيد رسم هذا السلم بأشكال مختلفة، كل الفلاسفة وصفوا هذا السلم القابع في خلفية أدمغتهم بطرائق مختلفة. وفي حين أن الالكترون يتحرّك ما بين حالتين وما بينهما ممن دون أي مفاضلة، الا أنّ المفاضلة المكرسة في سلم القيم الذي ذكرناه سابقاً أتى من ذاك القرد الذي اسمه "تراب"، الذي تمرّد على أمنا القرد لوسي، القرد الذي تاق الى مغادرة صدع البرتين العظيم في أفريقيا.

التباين الحاصل بين الصورتين، ناتج عن قواعد الفيزياء الكمية، أما المفاضلة بينهما فهو ناتج عن رحلتنا التطورية.

إذا ما أرادت عربة تسلّق تلة، فهي تحتاج لطاقة محركة مستجدة أو كامنة. رحلتنا التطورية أرست فينا الشهوة كمحرك وطاقة كامنة.

وعليه، فإنّ الطاقة المحركة لتسلق سلم القيم أو الانتقال بين دفتي دالتنا الموجية هي الشهوة. تتحرك لتوصلنا إلى إشباع المتعة، ثم الارتقاء الى درجة "أعلى" من سلم القيم.

حركة الارتقاء والقفز هذه، نجد مثيلاً لها في حركة الإلكترون داخل الذرة. الاكترون يقفز من مستوى طاقة إلى آخر، كلما اكتسب نسبة معينة من الطاقة، وهكذا دواليك حتى يصل إلى أعلى مستوى طاقة، ثم مغادرة مدار الذرة.

الشهوة واحدة تحركنا لأشباع المتع الممتدة على سلم القيم. وسعينا لمتعة البقاء وليس للبقاء فقط.

كلما كانت الشهوة قريبة من الدفة المادية لسلم القيم، كانت متعتها أوضح. وذروة المتعة تُسمّى الحاجة.

على سبيل المثال،  تحركنا الشهوة لتلبية المتعة الجنسية دافعةً بالجسد لملامسة جسد آخر، لكنها سرعان ما تخمد بعد هزّة الجماع. والمتعة الجنسية اقل انسيابية من غيرها من المتع، أي أننا غالباً نتحضر لتلبيتها، بما يسمى الإعجاب أو الحب أو الجذب، وذروتها ملحوظة تسبب انقباضاً في عضلات الجسد، وقد نشعر بأنها الأقوى، لأنها الأقل لزوماً لبقائنا. فلو لم تكن بهذه القوى، لترك البشر عَرَضاً التكاثر. وهكذا دواليك بالنسبة لباقي الشهوات، فكلما كانت المتعة ألطف كشرب الماء والتنفس، كانت انسيابية أكثر وضرورية أكثر.

المنطق يقول أنّه إذا ما استمرينا بالرحلة على سلم المُتع، ان تكون المتعة الروحية الأكثر حاجة والاكثر انسيابية، أن تكون فعلاً الفطرة التي فطرنا عليها لأنّ متعة التنوّر والروحانية هي الألطف.

لكن لماذا نرى الأديان تفترض طقوساً معينة لتطويع هذه المتعة وتقويتها لكي لا نتركها، كأن نستيقظ من النوم فجأة للصلاة. الجميع يشككون بالايمان ويطرحونه تحت التجارب لقلة حظ هذه الشهوة من الانسيابية. فترى المذاهب الروحية تَكمُن لهذه المتعة وتدفع بطاقة الشهوة لتلبية هذه المتعة، رغماً عنا، مانعةً أي سؤال عند مدى أصالتها وجدواها. تمنع العادة السرية والمتع المجانية وتجزم بوجود حياةٍ بعد الموت وتروج للتعاسة. أوليست الأغلبية الساحقة لرسوم القديسين على جدران الكاتدرائيات تظهرهم باكين؟ هذه المتعة النهمة الواهمة لن تُشبَع بالقواعد ولا الحروب ولا الأضاحي.

كلما التصقت الشهوة بشكل المادة الثقيلة، كانت لحظية أكثر. فالشهوة عندما تلبي حاجة الجنس مثلاً، تخمد بخمود هرمون الدوبامين وإفراز هرمون البرولاكتين عند الذكور. وعندما تلبي الشهوة حاجة الأكل والشرب تخمد عند التخمة والارتواء.

عندما تتحرك الشهوة لتلبية حاجة لطيفة مرتبطة بالهواء، كالحاجة للتنفس، فإن المتعة ستكون ساكنة وانسيابية تماماً، ولفرط ضرورة هذه المتعة تسمى دائماً حاجة، فنلاحظ فقدانها لثوانٍ، فترى الغريق يتمسّك بشخص آخر ويدفعه لأسفل المياه ليكسب فرصة أخيرة لنفسٍ واحد يعلم أنه لن ينجيه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم