الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما هو رأسمالنا؟

المصدر: النهار
مارك فارس
ما هو رأسمالنا؟
ما هو رأسمالنا؟
A+ A-

كيف كان موسم الصيف؟ كان هذا سؤالي لأبي تيمور الذي يدير موقف سيارات في منطقة إهدن شمال لبنان.

فأجابني أن العمل كان قليلاً، أقل من السنة الماضية فما كان لي سوى القول له: "الله بعين".

نظر إليّ قائلاً: 'شو الله بعين، كتر خير الله".

أضاف: 'القناعة لم تعد شيئاً شائعاً، وين كنا ووين صرنا؟ ما هو رأسمالنا؟ منزلنا كان مؤلفاً من غرفتين ومطبخ، ينام 6 أفراد أحياناً بطونهم فارغة في الغرفة عينها. اليوم لكل ولد من أولادي غرفة خاصة، لم يذوقوا الجوع يوماً، لم ينقص عليهم أي شيء، كما أملك 3 شاشات تلفزة في المنزل! تخيّل 3، ونحن كنا نجتمع في المناسبات عند من يمتلك تلفازاً مندهشين!

قل لي ما هو رأسمالنا؟ ما هذا البطر الذي نعيشه أصبحت كماليات الغني ضروريات عند الفقير.


عند حدوث أي مشكلة، يجب التوقف للحظة والعودة إلى الوراء، إلى المربع الأول.

نعم، كلنا أبناء بيئة متواضعة، أجدادنا عملوا، تعبوا وبذلوا جهدًا متواصلاً لتأمين المأكل والمشرب. وما كان يميّز الميسور عن الفقير هو قدرته على تعليم أولاده. فالعلم كان يرمز للمكانة الاجتماعية والغنى.

من رحم هذه البيئة المتواضعة خرج جيل جديد، جيل الماركات العالمية، جيل مواقع التواصل الاجتماعي.

لو أجريت استفتاء سنة 2007، كان ليتبين لك أن 80% من اللبنانيين يجهلون الماركات العالمية، يرتدون ملابس متواضعة، عدا بعض المناسبات القليلة التي تتطلب نوعاً أفخر بعض الشيء، وإلتقاط الصور كان حصراً في المناسبات.

لكن بعد ظهور "الفيسبوك" ومواقع التواصل الإجتماعي، أصبح كل يوم يشكل مناسبة، هاتف مجهز بـ3 كاميرات وما فوق، جاهز بأي لحظة لأخذ صورة سلفي.

اقتناء حقيبة أو نظارات من الماركات الفاخرة هو أمر ملزم، فمن دونها كيف لك أن تتباهى أمام أصدقائك ومتابعيك في العالم الافتراضي؟ كيف لك أن تكسب احترامهم إذا حملت صورتين لك مرتدياً نفس الملابس في يومين مختلفين؟ كيف لك أن تحافظ على إعجاب من تبهرهم بنمط حياة استثنائي؟


كانت أولوياتنا الأكل والشرب والعلم، فأضحت السوشي والألبسة الثمينة. نراهم ثائرين يبحثون عن عمل ولا يجدون، بالرغم من وجود أكثر من مليون عامل أجنبي. يمكث في المنزل معوّلاً على أهله، فهو لا ولن يقبل بأي وظيفة لا تراعي البرستيج أو شهاداته إن وُجدت.

ولكن إن سمحت له الظروف كان ليسافر إلى أقصى بقاع الأرض ليعمل في محطة للوقود أو في مطعم أو عاملاً في ورشة، لكنه يرفض هذه الأعمال عينها في بلده.

إسألوا أي عامل في محطة للوقود عما يحصده خلال شهر بين معاشه وإكراميات الزبائن، فيجيب بما يقارب المليون ليرة، 80% من العمال الأجانب في لبنان يحصلون شهرياً على ما يقارب المليون ليرة.

أين شبابنا من هذه الوظائف؟ ما الذي يمنعهم من العمل؟ لمَ البكاء والعويل على الشاشات والجملة نفسها تتكرر عند الجميع "ما معي الف ليرة بجيبتي"، ما الذي ينقصك لتكون منتجًا؟

تتميز أميركا بأنها تقدم إلى شعبها حياة مترفة، وسُمِّيَ العيش في أميركا بـ"الأميرِكان دريم"، فترى أميركا تحتل العالم وتصنع حروباً. دينها الخارجي ٢٣ تريليون دولار لتأمين ما يعرف بالحلم الأميركي، لكن الأميركي لا زال حتى اليوم لا يوظف خادمة، وممتلكاته ليست من الماركات الفاخرة، ولا يرتاد المطاعم والمقاهي يومياً مدخناً النرجيلة.


لنكن منصفين، الشباب ثائرون وهم مظلومون، بمعنى أنه كان بالإمكان أن يكون الحال في لبنان أفضل مما هو عليه اليوم بكثير.

لكن هنالك ثمناً يجب دفعه لمبايعتِنا أفسَدَ طبقةٍ سياسيةٍ على وجه الأرض طوال 30 سنة.

ليس هذا ذنب الشباب، لكن كما يقول المثل: "الاَباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون".

لا مفرّ من العذاب والشقاء والذلّ للعودة والولادة من جديد. فلندفع هذا الثمن من خلال العمل الشاقّ والعيش بتواضع، لا وقت للبكاء والنحيب، فلننافس العمالة الأجنبية ولنجعل الدنيا تضيق بهم، وعندها ترى عودة كل أجنبي إلى دياره ويتحسن الاقتصاد تدريجياً.

مارك فارس


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم