السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أنفه في صدراة التاريخ والتراث... مشروع بحثي يثبت غنى بلدة الملاحات المتوسطية

المصدر: النهار
فرح نصور
أنفة.
أنفة.
A+ A-
يثبت مشروع "The Anfeh research project"، علميّاً الأهميّة الفائقة لبلدة أنفه تراثياً وأثرياً وثقافياً. المنطقة الساحلية التي اشتهرت بملّاحاتها، تخبّئ تحت هذه المواقع ثروات بيئيّة وتراثيّة تضاهي في أهميتها تراث مواقع عالمية شهيرة. وقد هدفت هذه الدراسة إلى إنماء المنطقة والمواطن بيئيّاً وسياحيّاً وثقافيّاً.

وبعد توقّف عامين بسبب انتشار جائحة كورونا، استأنف المشروع الذي بدأت أعماله منذ العام 2010 على يد نادين بنايوت، الأستاذة المساعدة والمديرة الحالية لمتحف الآثار في الجامعة الأميركية في بيروت، في شراكة مع قسم الآثار في جامعة البلمند. ففيما كان المشروع لجامعة البلمند، تحت إدارة بنايوت، عندما كانت تشغل منصب مديرة قسم الآثار في الجامعة، ومع انتقالها إلى تولّي إدارة المتحف في الجامعة الأميركية في بيروت في 2020، راعت استمرارية المشروع بشراكة غير مسبوقة بين جامعتين على مستوى دراسات الآثار والتنقيب عنها، بالتعاون مع مديرة قسم الآثار في جامعة البلمند الدكتورة باتريسيا إنطاكي.
 
من أنفه. (الصورة لقسم الآثار وعلم المتاحف في جامعة البلمند).
 
انطلقت بنايوت بمشروع البحث في أنفة بين عامي 2010 و2012 عندما طلبت إليها مديرية الآثار المساعدة في أعمال التنقيب في كنيسة سيدة الريح - أنفة (وهي الكنيسة الأولى التي سمّيت باسم السيدة العذراء على الساحل الشرقي). كان من المفترض أن يكون المشروع قصير الأمد، لكنّ بعد اكتشافهم غنى هذه المنطقة وما تحتها وما حولها، وسّعت الدكتورة مشروعها حتى ساهمت جامعة "السوربون" الفرنسية في هذه الأعمال. وتطلّب المشروع تمويلاً من منظمةHonor Frost Foundation البريطانية التي تموّل جميع حفريات الآثار تحت المياه، للقيام بمسح مائيّ واسع جداً للآثار.
وبعد نحو 3 سنوات من الأعمال، بدأت بنايوت باكتشاف غنى أنفة. وفي حديثها لـ"النهار"، تؤكّد أنّ "غنى أنفة لا يكمن في آثارها فقط، بل يطال بيئتها في غناها البيئي وثروتها السمكية وطبيعتها الساحلية، إذ الأعشاب البحرية التي تنبت على هذا الساحل غير موجودة في أيّ مكان آخر". كذلك اشتمل المسح على دراسة اجتماعية حول سكّان أنفة، فوُثّق تاريخهم المحكيّ بألسنتهم والمتوارث من جيل إلى جيل.

لماذا أنفة؟

وفق شرح بنايوت، غنى أنفة غير مدروس سابقاً وغير معروف ومهمَل منذ سنوات. وما يميّز هذه المنطقة يتمثل في شكل أساسي بوجود الملّاحات فيها. وهو الوجود الذي دمّر آثاراً مرتفعة، لكنّه حافظ على الآثار المحفورة في الصخر.

وبعد أكثر من 10 سنوات من أعمال الحفر في أنفة، تؤكّد بنايوت أنّ من شدّة غنى هذه المنطقة بالثروة البيئيّة والثقافيّة والآثار، يحتاج الأمر لسنين طويلة لاكتشافها كلّها، إذ عادة ما يتمّ التنقيب لمدّة شهر وتدرس النتائج لمدة 11 شهراً كبحث علميّ.
وفي الـ2017، وجدت البعثة على قلعة أنفة جرّتين فيها بقايا إنسان، أُرّخت في لندن، ليتبيّن أنّها تعود إلى 4500 عام قبل المسيح. وتعود الآثار في هذه المنطقة إلى نحو 150 ألف عام قبل المسيح. كذلك، هناك آثار تعود إلى العصر البرونزيّ والبيزنطيّ والصليبيّ، وهي آخر الآثار في أنفة.

وبرأي الأستاذة، لا تقلّ أنفة أثرياً بالأهمية عن المواقع المسجّلة على لائحة التراث العالمي، إذ مرّت فيها شعوب في عصور ما قبل التاريخ، وآثارها موجودة تحت ملّاحات أنفة، وفق ما أثبتته الدراسات.
 
من أنفه. (الصورة لقسم الآثار وعلم المتاحف في جامعة البلمند).
وفيما كانت أعمال الحفر تجري بالتعاون مع المجتمع المحليّ وبلدية أنفة، توصّل المعنيّون إلى إقامة "حمى أنفة"، وهو موقع بيئيّ يحميه السكان، ويضعون القوانين الملائمة لحمايته بقرار بلدي. وقد سُلّمت بنايوت إدارة هذا الموقع.
وتوضح في هذا الإطار، "أنّنا قد طبّقنا اللامركزية في إقامة الحمى". كذلك هدفت هذه الأعمال إلى تنمية السياحة البيئية المستدامة والتنظيم المدني وتحسين واجهة المنطقة، حيث استحصلت البلدية على تمويل من جهات خارجية، لكونها وقّعت على اتفاقية الحمى هذه، وذلك لطلي واجهة المنطقة البحريّة.

ومع تراكم وتنوّع الآثار والتنوّع البيئي والجيولوجي في أنفة، كان لا بدّ من السعي إلى إدراج مناطق رأس الناطور ورأس القلعة ورأس الملاليح في أنفة على اللائحة التمهيديّة لتراث اليونسكو في العام 2019، وتمّ قبول الملف وتسجيل المناطق، فهي مناطق غير مسكونة، بدليل أنّ أنظف مياه في لبنان هي رأس الناقورة ورأس أنفة. وقد قدّمت مديرية الآثار الملف الذي عملت عليه بنايوت لمدّة 12 عاماً إلى اليونسكو، والمديرية تسعى إلى أن تُدرَج أنفة على لائحة التراث العالمي، وذلك سيكون بمستوى أهمّ المعالم الأثرية في لبنان. كذلك، فإنّ ملف محميّة أنفة مطروح في مجلس النواب كإحدى المحميّات البحرية. فهي من المناطق النادرة على طول الشاطئ اللبناني، التي لا تزال تحافظ على ثروتها وطبيعتها البيئية والثقافية.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم