الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

معتقلون سابقون يروون معاناتهم في مستشفى عسكري سوري: ضرب مبرح وتصفيات وحبس بين الجثث

المصدر: "أ ف ب"
مستشفى تشرين العسكري.
مستشفى تشرين العسكري.
A+ A-
في مستشفى تشرين العسكري في سوريا، أُُجبر معتقلون مرضى على نقل جثث، وتُرك آخرون من دون علاج حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وتعرّض كُثر لضربٍ مُبرحِ، وفق تقرير حقوقي وشهادات معتقلين سابقين.

في تقرير بعنوان "دفنوهم بصمت" صدر الثلثاء، تعرض رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وقائع من مستشفى تشرين العسكري في دمشق الذي ينقل إليه بشكل رئيسي مرضى من المعتقلين وجثث موتى قضوا تحت التعذيب أو جرّاء الأوضاع السيئة في مراكز الاعتقال، وعلى رأسها سجن صيدنايا الذائع الصيت.
 
ويروي المعتقل السابق في صيدنايا أبو حمزة، وهو اسم مستعار، (43 عاماً)، الذي دخل مستشفى تشرين ثلاث مرات خلال فترة اعتقال دامت سبع سنوات، لوكالة فرانس برس، "كان السجناء يخشون الذهاب إلى المستشفى، لأنّ كثراً لم يعودوا منه".
 
ويضيف "إن كان الواحد منّا قادراً على السّير يعود إلى السجن، أمّا المريض جدّاً فلا يعود ويُترك للموت في نظارة المستشفى".
 
ويسرد التقرير الذي اعتمد على مقابلات مع 32 شخصاً بينهم معتقلون سابقون وعناصر أمن وأفراد من الكادر الطبي ووثائق مسرّبة، مسار التعامل مع جثث المعتقلين و"التخلّص منها"، من نقلها وتجميعها وتوثيقها وتصويرها وصولاً إلى إرسالها إلى المقابر الجماعية.
 
- "تركوه يموت" -
وسبق أن تطرّقت تقارير حقوقية لهذه الممارسات. فقد التقط المصوّر السابق في دائرة التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية والذي يُعرف باسم "قيصر"، صوراً لجثث معتقلين في مستشفيات عسكرية سورية، وبينها مستشفى تشرين، أظهرت التعذيب والانتهاكات التي يتعرّض لها المعتقلون.
 
و"قيصر" هو الاسم المستعار للمصوّر الذي انشقّ وخاطر بحياته لتهريب 53275 صورة لجثث معتقلين سوريين بينهم امرأة، في مراكز احتجاز سورية إلى خارج البلاد منذ العام 2013.
واقتُبس اسمه لما عرف في ما بعد باسم "قانون قيصر" في الولايات المتّحدة والذي نصّ على عقوبات اقتصادية ضد سوريا.
 
ويشير تقرير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" إلى أنّ مفرزة الشرطة العسكرية التابعة للمستشفى هي "المحطة للأولى للمعتقل وهي أيضاً مكان تجميع جثث المعتقلين قبل تحميلها ونقلها إلى مقابر جماعية" في نجها (جنوب) والقطيفة وجسر بغداد (قرب دمشق).
 
ويتذكّر أبو حمزة: "في إحدى المرّات، كان موقوف يئن وكأنّه يُنازع داخل زنزانة المفرزة، لم يعرضوه على طبيب، بل وضعوه بين الجثث. تركوه يموت".
 
ويُجبر المعتقلون على نقل جثث من السجن إلى المستشفى، و"أحياناً يكون بين الجثث مرضى ينازعون بين الحياة والموت، فيقوم المساعد في النظارة بتصفيتهم"، بحسب التقرير.
 
لساعات طويلة، نقل أبو حمزة حافي القدمين وفي البرد القارس، كما يروي، جثث معتقلين من سجن صيدنايا إلى عربة نقل، ولاحقاً إلى أماكن تجميع الجثث قرب المستشفى حيث تتم كتابة أرقام عليها أو على ورقة بيضاء تُوضع عليها، قبل أن يأتي مصوّر لالتقاط صور لها.
 
وتصدر شهادات الوفاة لاحقاً من المستشفى وغالباً ما تُكتب أسباب الوفاة على أنها توقّف القلب أو فشل كلوي أو جلطة دماغية، وفق التقرير الذي يُشير إلى أنّ الأطباء الشرعيّين لا يقومون فعليّاً بفحص جثث المعتقلين الذين قضوا فعلاً بمعظمهم تحت التعذيب أو جراء ظروف اعتقال سيئة.
 
- "وجدت نفسي بين الجثث" -
ويوثّق تقرير رابطة معتقلين صيدنايا أيضاً "عمليات تعذيب وحشية بحق المعتقلين المرضى" يقوم بها بمعظمها عناصر المفرزة الأمنية التابعة للمشفى.
 
وتعرّض بعض المعتقلين المرضى لإهانات من "الكادر الطبي" وضرب شديد على أيدي معتقلين آخرين، على مرأى من عناصر أمن لم يحرّكوا ساكناً، وفق التقرير وشهادات ناجين.
 
ويقول أبو حمزة الذي رأى مرة واحدة طبيباً لم يقترب منه، "في إحدى المرّات، دخل حرس مفرزة المستشفى علينا، طلبوا منا الانبطاح أرضاً وأبرحونا ضرباً لربع ساعة ثم خرجوا".
 
وأفاد التقرير الحقوقي أنّ عناصر المفرزة كانوا أحياناً يتخلّصون من المعتقلين المرضى بخنقهم عبر لفّ منشفة أو خرقة حول أعناقهم.
 
ويقول الشريك المؤسّس في الرابطة دياب سرية لفرانس برس: "يؤدّي تشرين دوراً مركزياً في عمليات الإخفاء القسري والتستّر على عمليات تعذيب وتزييف أسباب الوفاة، فضلاً عن المعاملة السيئة داخل المستشفى وتصفية معتقلين، وذلك كلّه يُعد جرائم ضد الإنسانية".
 
ويضيف: "ما يحصل في مستشفى تشرين ومستشفيات عسكرية أخرى يُعد بمثابة سياسة ممنهجة".
 
على مرّ سنوات النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011، اتّهمت منظّمات حقوقيّة عدّة أجهزة أمنية سورية بتعذيب المعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام من دون محاكمات داخل السجون. وتستهدف دعاوى قضائية عدة في أوروبا اليوم النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين.
 
في فرانكفورت الألمانية، يخضع طبيب سابق في سجن حمص العسكري لمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لضلوعه في تعذيب معتقلين.
 
واعتقل محمود (25 عاماً) في العام 2014 حين كان عمره 16 عاماً لمدّة سنتين. ويروي لفرانس برس معاناته في مستشفى تشرين. "وضعوني أرضاً وداسوا علي وأغلقوا فمي بأيديهم حتى لم أعد أشعر بشيء. غبت تماماً عن الوعي"، مضيفاً: "صحوت بعد وقت قصير لأجد نفسي بين جثث في زاوية الزنزانة".
 
ويروي كيف سقطت جثتان كانتا فوقه أرضاً، فما كان منه إلّا أن صاح بأعلى صوته.
 
ويتابع: "كنت مرتدياً سروالي الداخلي فقط، وقد تبوّلت وتبرّزت لا إرادياً".
 
وغادر محمود المستشفى حينها إلى السجن من دون عرضه على طبيب. ومنذ ذلك الحين، ساءت حياته في السجن أكثر ولم يعد يجرؤ على الذهاب إلى المستشفى حتى في أقصى فترات معاناته من مرض السلّ داخل زنزانة صيدنايا.
 
ويقول: "وصلت إلى درجة لا أستطيع فيها حتى أن أمضغ الأكل، لكني لم أبلغ أحداً حتى لا يأخذوني إلى مستشفى تشرين مرة أخرى".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم