السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بعد المجزرة... وادي قاديشا يتأثّر بالسياحة البيئيّة وإدراجه على لائحة التراث العالمي مهدَّد

المصدر: "النهار"
فرح نصور
مسار وادي قاديشا بعد جرفه.
مسار وادي قاديشا بعد جرفه.
A+ A-
تعرّض وادي قاديشا المقدّس لمجزرة بيئية مروّعة في محيط دير مار أنطونيوس قزحيا، بحيث قُطعت أشجار السنديان المعمّرة وشُقَّ طريق ومُحيت دروب أثرية قديمة يسلكها السيّاح مشياً. 

ما الذي يميّز وادي قاديشا عن غيره من الأودية في لبنان؟ هو موقع من أهمّ المواقع للتأسيس المسيحي في العالم، ويضمّ أديرة قديمة وآثار غابة أرز لبنان الكبيرة. مشى على دروبه القدّيسون في لبنان منذ مئات السنين، وتُعدّ دروبه من أهمّ الدروب السياحية في لبنان. ويُصنَّف الوادي كمحميّة طبيعية خاضعة لحماية وزارة البيئة، وهو موقع حسّاس لناحية عذريته والتنوّع البيولوجي الفريد الموجود هناك، إضافة إلى المنظر الخلّاب الذي يكرّس جمال لبنان الطبيعي. لكل ما سلف ذكره، أُدرج الوادي على قائمة "الأونيسكو" للتراث العالمي في عام 1998. وبذلك، الجريمة المروّعة وقعت بحق البيئة، والطبيعة والتراث.

في هذا الإطار، لا بدّ من السؤال عن تداعيات هذه الجريمة على السياحة البيئية، إضافة إلى معرفة مصير استمرار إدراج هذا المعلم التراثي على لائحة التراث العالمي لـ"الأونيسكو" بعد هذه المجزرة.

رئيس منظمة Vamos Todos غير الحكوميّة للسياحة البيئية والخبير البيئي مارك عون، في حديثه لـ"النهار"، يورد أنّ "السياحة البيئية ستتأثّر بالتأكيد، فمعلم وادي قاديشا هو واحد من أجمل دروب المشي في لبنان"، بحيث يبدأ المسار من دير مار أنطونيوس باتجاه مزرعة النهر أو نحو الفريديس أو نحو الطريق الأساسية المؤدّية إلى الوادي.

الضرر الأساسي الذي لحق بالموقع السياحي هو شق الطريق، أكثر منه قطع أشجار السنديان، فقسم من مسار المشي دُمّر وجُرف. لكن المسار الذي تأثّر هو واحد من 21 مساراً للمشي بين قاديشا وقنوبين، وهو تضرّر بمسافة حوالي كيلومتر ونصف من أصل 10 كيلومترات وهي طول المسار هذا. وصحيح أنّ المسار يمكن ترميمه، لكنّه لن يعود كما كان على طبيعته طبعاً فهو مسار عمره مئات السنين. ووفق عون، "رياضة المشي في الطبيعة الرائجة حالياً، لم تتوقّف، ونحاول اتخاذ مسارات بديلة للمشي ريثما يتم ترميم المسار الأساسي". 
 
مسار وادي قاديشا بعد جرفه.
 
وبرأيه، "لا خوف على شجر السنديان الذي قُطع، لأن هذا النوع من الشجر ينمو خلال فترة أقصاها ست سنوات". وشجر السنديان الذي قُطع في هذا المسار لم يكن شجراً معمّراً، لكنّه كان يغطّي المسار المتضرّر وأصبح الآن مكشوفاً. 
 
الوادي مصنَّف محميّة طبيعية لكن جزءاً كبيراً منه هو أملاك خاصّة لأهالي بلدة قنوبين، وللبطريركية المارونية والرهبانية المارونية. والجهة التي تضرّرت تابعة للرهبانية اللبنانية المارونية، وهي أبدت استعدادها لترميم الأضرار التي لحقت بالمسار، على نفقتها الخاصّة، والاستعانة بخبراء للقيام بالدراسات اللازمة وتطبيقها لكي يعود الوادي إلى جماله وهدوئه وروحيته. وحتى الآن، لا جهات رسمية تعتزم المساعدة في هذا الإطار إلّا على مستوى الإشراف.

وبما أنّ هناك مواصفات خاصّة، يقول عون، لإدراج أيّ معلم على لائحة التراث العالمي، وأيّ تعديل في هذه المواصفات قد يؤثر على إدراجه، تحرّكت الرهبانية المارونية سريعاً. 

وعن تأثر إدراج وادي قاديشا على لائحة التراث العالمي، يجيب الخبير بالتراث العالمي جورج زوين في حديث لـ"النهار"، أنّ "الجواب ليس بسيطاً، فإن لم يُعالج لبنان هذا الضرر، فسيتم الضغط عليه ليرمّم ويعيد الموقع كما كان سابقاً".

من الآن حتى شهرين أو ثلاثة أشهر ريثما تنتهي كل الدراسات اللازمة، إذا بدأ لبنان الآن كدولة عضو في لجنة التراث العالمي بالعمل على الترميم، وإذا كانت "النيّة الطيبة" حاضرة، وإذا وافقت مديرية الآثار والوزراء المسؤولون وفعاليات المنطقة ولجنة التراث العالمي، على العمل والتنسيق معاً، "فالنتيجة ستكون إيجابية ومرضية، وأنا من هذه الناحية مطمئن، وإذا طُلب من "الأونيسكو" التدخّل في هذا الإطار، فسوف تتدخّل".
 
 
قوانين التراث العالمي معروفة باسم soft law، ولا تُفرض بقوة السلاح. أمّا في حالة وادي قاديشا، إذا لم يستجب المعنيون في لبنان للضغوط وللقوانين السالفة الذكر، يُشطب الوادي من قائمة التراث العالمي ويتحوّل إلى قائمة التراث المهدَّد بالخطر، بحسب زوين. من هنا، يمكن لهذا الواقع أن يفتح المجال أمام قدوم مساعدات لتحسين وإعادة حال الوادي إلى ما كان عليه.

وادي قاديشا أكثر من معلم أثري أو ثقافي، بل هو معلم روحي متعلّق بالأديان، يؤكد زوين. لذلك، يجب احترام مكانته وخصوصية الحياة فيه، ما يعني أنّه لا ينبغي أن تزيد تسهيلات التنقل فيه وشق طرقات للسيارات، فدوره في التراث العالمي متصل بالدين المسيحي، "وتشويه هذا الموقع أمر مؤسف، لأنّه يغيّر هويّة تلك المنطقة ودورها في الحضارة ما يؤدي في النهاية إلى خسارة هذا المعلم التراثي".
وبحسب زوين، التشوّه في وادي قاديشا يقتصر على شق طريق عريضة بحوالي ثمانية أمتار، وقُطع نحو 450 شجرة سنديان، و"طبعاً لا شيء يعود إلى ما كان عليه بنسبة 100 في المئة".

هل جهود الرهبانية المارونية لترميم الأضرار كافية لإبقاء هذا الموقع على لائحة التراث العالمي؟ "ممكن جداً"، وفق زوين، "وعلينا أن نحاول إعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، ولا أرى أيّ غياب للإمكانيات اللازمة لتنفيذ ذلك، ويجب النظر بزاوية علمية لفهم المطلوب فعله". وبخصوص تكلفة الترميم، "لا أعتقد أنّها كبيرة أبداً"، بحسب زوين.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم