الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إلزامية تلقّي لقاح كورونا تثير جدلاً قانونياً في لبنان... عينٌ على الحرية وخلاص البشرية

المصدر: "النهار"
من مراكز تلقي لقاح كورونا في لبنان (نبيل إسماعيل).
من مراكز تلقي لقاح كورونا في لبنان (نبيل إسماعيل).
A+ A-
هبة علّام 
 
يبدو أنّ مسألة تلقّي اللقاح ضد فيروس كورونا ومتحوراته، بدأت تأخذ مساراً جديداً في لبنان. 
 
وقد علت في الآونة الأخيرة أصوات ترفض فكرة الإجراءات الجديدة التي اتّخذتها بعض المؤسسات الرسمية والمؤسسات الخاصة، لجهة فرض تلقي اللقاح على العاملين أو إجراء فحص الـ PCR مرتين في الأسبوع، تحت طائلة اتخاذ تدابير مسلكية بحق من يرفض وصولاً إلى إيقافه عن العمل، إضافة إلى فرض هذا التدبير على روّاد المطاعم والملاهي والمؤسسات السياحية، والأشخاص الذين يريدون التنقّل ليلاً.
 
أمام حرية الأشخاص بصحتّهم وجسدهم، مقابل الحماية المجتمعية وعدم إيذاء الآخرين، أصبح مستقبل ولقمة عيش العاملين في متاهة تزيد حيرتهم والعبء عليهم، وسط ما يعانونه من أزمات اقتصادية فاقت هواجسهم الصحيّة.
 
(بعدسة الزميل مارك فياض)
  
 
وفي الوقت الذي يرتفع فيه عدد الإصابات اليومي بالفيروس بطريقة جنونية، بات تدبير إلزامية تلقي اللقاح الذي اتخذه المعنيون يشكّل جدليّة جديدة ينقسم حولها اللبنانيون. وأول الغيث فيها التحرّك الذي يقيمه "الاتحاد العام لنقابات عمّال لبنان" صباح اليوم في ساحة الشهداء تحت شعار "ضد إلزامية التلقيح ومع حرية الاختيار".
 
في الإطار، يقول النقيب رولان عدوان في حديث لـ "النهار" إن "التحرك هو دعم لحقوق العمّال وحريتهم الشخصية، وحقهم في استكمال عملهم من دون ترهيب أو ترغيب بهدف فرض اللقاح عليهم، لأن الحرية الشخصية ومنها ملكية الجسد، مصانان بالدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء وبالأخص قانون العمل، إضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقانون نورمبرغ، والقانون الصادر عن مجلس النواب اللبناني رقم 211 والخاص باللقاح، وجميعها لا تتضمّن أي مواد قانونية تعطي الحقّ لأي صاحب عمل بفرض اللقاح إلزامياً على أي موظّف أو عامل أو أجير، تحت طائلة صرفه من العمل".
 
    
غموض يلفّ هذا الملف الذي يحتمل الكثير من التفسيرات الطبية والقانونية ليس فقط في لبنان بل في معظم دول العالم، وحتى لدى منظمة الصحة العالمية، خصوصاً وأنّ الملقّحين يصابون بالفيروس وينقلونه، وهذا ما تحدّث به معظم الأطباء والجهات الصحية الرسمية. لكن اللقاح من شأنه أن يخفّف الأعراض الصحية على المصاب، ما يجعل من هذا المرض ضيفاً خفيفاً لا يستدعي تدخلاً استشفائياً مصحوباً بمخاطر صحية كبيرة تصل حدّ الموت. 
  
 
مرقص لـ "النهار": الإجراءات جائزة ولا يمكن تعريض الآخرين للمخاطر بسبب خيار فردي
 
رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص يقول في حديث لـ "النهار" إنه "بالمطلق، لا يجوز إجبار الشخص على تلقي اللقاح وتقييد حريته في التنقّل استناداً إلى البروتوكول رقم (4) لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لجهة حق الأشخاص المتواجدين على وجه مشروع في إقليم دولة في حرية التنقل وحرية اختيار محل إقامتهم، كما حرية الخروج من أية دولة".
 
لكن هناك استثناءات على القاعدة الأساسية، حيث يؤكد مرقص أنّه "يجوز إجبار الفرد على تلقي اللقاح إذا أراد أن يكون على تماس وتعامل مع فئة من الناس كالمرضى أو المواطنين أصحاب المعاملات الإدارية، عندها يمكن إجباره على تلقي اللقاح أو إلزامه إجراء فحوصات دورية في هذا الشأن كما حصل في لبنان، انطلاقاً من أن المسألة تقع في صلب المصلحة العامة لمجتمع معين أو أن الاستهتار فيها ينال من الأمن الصحي للمجتمع". 
 
واستند مرقص في رأيه القانوني إلى الاستثناء الذي ذكرته الفقرة الثالثة من البروتوكول الرابع المذكور أعلاه والمتعلّق بـ"جواز وضع قيود على ممارسة هذه الحقوق بإطار ما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديموقراطي لمصلحة الأمن القومي أو الأمن العام، للمحافظة على النظام العام، أو منع الجريمة، أو حماية الصحة والأخلاق، أو حماية حقوق وحريات الآخرين".
 
وأضاف: "الإجراء الذي اتخذته الدولة اللبنانية بصورة جزئية، يصحّ أيضاً، على اعتبار أنّ حرية وحقوق الفرد تقف عند الحقوق والحريات العائدة للآخرين، ولذلك لا يمكن تعريض الآخرين للمخاطر بسبب خيار ذاتي فردي، لاسيما إن كان على تماس مباشر مع المواطنين، لأن ذلك يعرّضه للملاحقة الجزائية"، مستشهداً بالمادة 604 من قانون العقوبات اللبناني والتي تعاقب كل من "تسبّب عن قلة احتراز أو إهمال أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة في انتشار مرض وبائي من أمراض الإنسان عوقب بالحبس حتى ستة أشهر".
 
هذا الرأي القانوني، قابله تفسير آخر، ويستند أيضاً إلى قوانين ومراسيم، كما هو الحال في اختلاف تفسير معظم الحالات والقرارات والإجراءات التنفيذية وتعدّد الاجتهادات.
 
(بعدسة الزميل نبيل إسماعيل)

إسماعيل لـ "النهار": أي قانون يُلزم المواطنين باللقاح مشوب بمخالفة دستورية واضحة
 
لذلك كان للباحث في القانون الدستوري الدكتور جهاد إسماعيل، تفسير تشريعي آخر. وقد أشار في حديث لـ"النهار" إلى أنه "وفق المادة 9 من قانون مكافحة الأمراض المعدية الصادر عام 31/12/1957، إذا هدّد وباء بلاد الجمهورية كلها أو بعضها أو أخذ ينتشر فيها وكانت وسائل الوقاية المحلية غير كافية، فعلى وزارة الصحة أن تستصدر مرسوماً تعيّن فيه التدابير التي من شأنها أن تحول دون انتشار هذا الوباء، ما يُلزم الوزارة، تحديد نطاق التعبئة الصحية، سواء في الحدّ من التجمعات العامة، أو في الإسراع بعمليات التلقيح، لكنه لا يُلزم أفراد المجتمع، وبصورة إكراهية، باللقاح. إذ لا يجوز أن تصل هذه التدابير إلى درجة تكبيل الحرّية الفردية، لا سيما وأن المادة 10 من القانون المذكور أعلاه، حدّدت سقف الوقاية والتدابير الإلزامية عندما يتّخذ المرض الانتقالي شكلاً وبائياً في قرية أو مدينة أو منطقة، بأن تقيم نطاقاً صحياً على المكان الموبوء فقط، ولم تتطرق إلى قيودٍ تهدّد الحرية الشخصية اللصيقة بجسد الإنسان وكيانه، والمكفولة في نصّ المادة 8 من الدستور".
 
وأضاف: "بحسب المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لا يجوز إجراء تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحرّ، وبالتالي يُستفاد من هذه المادة أنه لا يجوز، مهما كانت الأسباب، فرض اللقاح كتجربة طبية مستجدّة على أحد، ما لم يُحرز قبول الأشخاص. علاوة على أن الفقرة "ب" من مقدمة الدستور ألزمت الدولة اللبنانية بالمواثيق الدولية، وهو التزام دستوري لا يجوز تجاوزه ويعلو على القوانين والمراسيم!".
 
 وعن مدى قانونية الإجراءات المتّخذة من قبل الوزارات تطبيقاً للتعبئة العامة، يشير اسماعيل إلى أن"التعبئة العامة من المواضيع الأساسية الّتي فرضت المادة 65 من الدستور ضرورة حصولها على موافقة ثلثي مجلس الوزراء، ما يطرح إشكالية دستورية في الإجراءات المتخذة من قبل لجنة وزارية لا قيمة دستورية لها أو من قبل المجلس الأعلى للدفاع الذي لا يحق له إصدار المراسيم".
 
بين تفاوت التفسيرات القانونية للإجراءات الرسمية المتّخذة مقابل حرية الفرد الشخصية، والصحة المجتمعية في بلد يفتقر إلى أدنى مقومات الصمود في قطاعه الاستشفائي، يبقى الأساس سلامة المواطنين في اتخاذ كافة التدابير التي تحميهم وعائلاتهم من أي خطر، بالتزامن مع حماية مستقبلهم وأرزاقهم وأعمالهم في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. وتبقى الكلمة أيضاً للعلم الذي له الفصل في مواجهة الفيروسات والأوبئة على مر التاريخ. 
وبهذا الجدل الدائر، ينضم لبنان الى صراع فكري وطبي وديني وقانوني دائر على صعيد المعمورة، فيما البحث دائر عن خلاص البشرية من التهديدات التي تتربص بها. 
 
 














الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم