الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

أبلح تودّع طبيبها بمأتم مهيب... جريمة قتل إيلي جاسر تطرح أسئلة اجتماعية ووطنية صعبة (صور)

المصدر: زحلة- "النهار"
تشييع الطبيب إيلي جاسر في أبلح.
تشييع الطبيب إيلي جاسر في أبلح.
A+ A-
دانيال خيّاط
 
لا سبب في الدنيا يبرر قتل إنسان، فكيف إذا كانت جريمة عبثية كتلك التي أودت بحياة طبيب الاسنان الشاب المغدور إيلي جاسر؟ دماؤه التي سالت في عيادته غدراً وظلماً "نشّفت دم" اللبنانيين، ولهجوا جميعاً بالسؤال نفسه: "بأي زمن صرنا، أضحى فيه زهق حياة إنسان بهذه السهولة؟".

وإذا كان على المجتمعات اللبنانية أن تطرح على نفسها الأسئلة الصعبة، حول "التحلُّل" الذي بات يتسلّل من الدولة المعطلّة الى المجتمع، وسُبل تحصين نفسها منه، حتى لا يكون إيلي قد دفع حياته عبثاً، فلا بد من التوقف عند أن قاتله جندي، والجندي حتى في المعركة ضد عدو ينضبط وفق الأخلاقيات العسكرية وقوانين الحرب، فأيّ خطر كان يشكلّه الجندي قاتل الطبيب إيلي على كل من حوله، بما اختزنته جريمته من عنف ودموية وغدر وعبثية، فمزّق بسبع طعنات ليس جسد الطبيب البريء فحسب، بل الشاب الذي تربى وإيّاه في البلدة نفسها ولعبا على دروبها وتقاطعت حياتهما وحياة عائلتيهما في أكثر من مناسبة. في بلدتهما أبلح التي تحتضن مقرّ منطقة البقاع العسكرية، البلدة التي قدّمت عسكريين من خيرة ابنائها شهداء على مذبح الوطن: الرائد طوني سمعان الذي استشهد في معركة نهر البارد، والجندي شربل حاتم الذي استشهد خلال مداهمة لأحد قاتلي الرائد عبدو جاسر. ويا للمفارقة فالرائد الشهيد هو ابن بلدة صغبين، مسقط رأس الطبيب المغدور، والشهيد المعاون زياد الميس.
 
 
وفي مأتم شهيدَي أبلح العسكريين، سرنا على الطريق نفسها التي سلكها، اليوم، موكب وداع الطبيب المغدور إيلي جاسر. وقد أُعِدّ له ملقى حاشداً بدءاً من بلدة الفرزل المجاورة، التي أبى شبابها إلّا أن يحملوا نعشه على الأكُفّ من الفرزل الى أبلح، التي أقامت له مأتم عريس، وازدانت بصوره باسماً، وكأن المسجّى في النعش المحمول والمتراقص على الأكف ليس هو.

كان مأتم "ناس أوادم"، وربّما لذلك تماهى الناس مع مصاب العائلة، فهم صورة عمّا تبقي من جميل يتمسك به اللبنانيون، في وطن متهالك ودولة متحلّلة. صورة العائلة التي تربّي وتعلّم أولادها، بالحلال وبالسترة، أفضل تعليم ليؤسّسوا بدورهم عائلة وعمل في وطنهم.

تخرّج إيلي طبيب أسنان من جامعة القديس يوسف، فتح عيادة في البلدة التي تربى فيها، تزوج حبيبته جويل، وأنجبا ميشال ابن الأشهر السبعة. إيلي الذي رفض الهجرة، عندما حانت له الفرصة، لم يختار فقط البقاء في لبنان، بل المساهمة بنهضته وبناء مؤسسات فيه، فهو العضو في الهيئة الادارية لـ"رابطة أطباء الأسنان في البقاع"، ومنسق أنشطتها العلمية، وكان يحضّر مع زملائه لمؤتمرٍ طبي، من المقرر أن ينعقد بعد اسبوعين من اليوم في الجامعة الأنطونية.

هذا ما مزقته الجريمة العبثيّة، لذلك بدا أنّ كل لبنان يسير خلف جدتين، ووالدين، زوجة وطفل ابن أشهر، شقيقتين وشقيق، عمتين وعمّ، أخوال وخالة يدفنون قطعة من روحهم، ومعهم يبحثون عن سبيل لتتقبل عقولهم عبثيّة الطعنات التي مزقت عائلات ومجتمع. فليست عائلة الطبيب المغدور وحدها من طالتها الطعنات، لقد دمر القاتل عائلته التي تبرأت منه.
 


طالت الجريمة أيضاً مجتمع أطباء الأسنان الخائفون "خوف أي موطن عادي، بئلّا تأخذ العدالة مجراها، خوف المواطن الذي يعاني من تحلُّل الدولة"، على ما قال رئيس رابطة اطباء الاسنان في البقاع الطبيب خالد الصلح، خلال الوقفة التي نفذتها الرابطة أمام قصر العدل في زحلة، استنكاراً وإدانة لما وصفه الصلح "الجريمة النكراء الموصوفة التي ارتكبت عن سابق تصور وتصميم"، مضيفاً أنّها "تدلّ على غياب شريعة القانون، وعلى تحلُّل الدولة التي تتخلى عن مسؤوليتها في حماية الطبيب الذي بات مكسر عصا لكل من تسول له نفسه"، مطالباً باسم زملائه "القوى الامنية والاجهزة القضائية أن تسرع في محاكمة هذا المجرم الذي إرتكب جريمته بكل دم بارد. ونهيب بنقابتنا أن تتولى متابعة هذه القضية قضائياً من خلال محامي النقابة، ومتابعة أي تقاعس أو إجراء لا يختتم بمعاقبة هذا المجرم والا سيكون لنا موقف تصعيدي آخر".

كان مأتم "ناس أوادم"، وجع أهل المغدور أعمق من أن تخرج من قعره سوى أصوات نحيبهم. فيما غضب الرفاق والشبان يضجّ تصفيقاً للدكتور، ودويّ مفرقعات يطغى على صوت موسيقى النوبة، وإطلاق رصاص جنح إليه قلة منهم، كعبثية الجريمة التي تتحدى العقل والمنطق، وتفرض تحدي البحث والنقاش في سؤال "كيف وصلنا الى هنا؟" والاجابة عن سؤال "كيف لا ننزلق بعد؟".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم