الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

على عتبة الشهر العاشر لانفجار المرفأ... عائلات حزينة ونخوة تحاول بلسمة الجراح

المصدر: "النهار"
كلوديت سركيس
كلوديت سركيس
تعبيرية (النهار)
تعبيرية (النهار)
A+ A-

بعيداً من الضوء، وبصمتٍ، أنهى "الاتحاد لحماية الأحداث" مشروع مساعدة الأطفال المتضرّرين جرّاء انفجار مرفأ بيروت، بدعم وتمويل من منظمة "بلان انترناشونال"، عبر مفوضيّة شؤون اللاجئين، بمعزل عن جنسياتهم.

وُزّعت هذه المساعدات الماليّة والعينيّة على 500 عائلة لبنانيّة وسوريّة تقطن على امتداد محيط المرفأ، ابتداءً من الجمّيزة وضواحيها، مروراً بالخندق الغميق، وصولاً إلى الطريق الجديدة. واقتفى الاتحاد أثر عائلات هربت من الدّمار الكارثيّ،الذي خلّفه هذا الانفجار في أرواح البشر والحجر، أو تلك التي تضرّرت مصادفة أثناء مرورها في المحيط لحظة الانفجار. 

 

فكرة المساعدة وُلدت من "الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان"، الذي لم يشأ أمام هول الزّلزال، الذي ضرب بيروت، البقاء مكتوف اليدين، بل هبّ بنخوةٍ لبنانيّة لمساعدة العائلات المنكوبة والمتضرّرين. وتحقيقاً لذلك، استحصلت رئيسة "الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان" أميرة سكّر على قرار من قضاة الأحداث للسماح لمندوبات الأحداث بإجراء جولة على جميع المستشفيات، بما فيها الميدانية، لمساعدة الأحداث المتضررين جرّاء الزلزال. وبنتيجة تلك الجولة، تبيّن أنّ عدد القاصرين قليلٌ فيما عدد الذين تضرّروا بنحوٍ غير مباشر كثير. فثمة من خسر والده أو تضرّرت سيّارته الوسيلة الوحيدة للعائلة، وثمّة مَن فقد زوجته وأطفاله وبقي له طفل واحد على قيد الحياة، بالإضافة إلى حالاتٍ أخرى لا تقلّ مأساويّة.

وتشير سكّر إلى أنّه من خلال القنوات التي فتحها الاتحاد عبر المشروع، الذي استمرّ من الصيف الماضي، وشبكات التواصل مع أفراد وجمعيات مدنيّة، أمكنه تأمين حاجات وضروريّات عائلات أخرى تخرج عن نطاق الاتحاد، بحسب برنامج المشروع.

كذلك عمل الاتحاد على عنصر أساسيّ خلّفه الانفجار في نفوس القاصرين، وهو تأمين الدّعم النفسيّ لهم ولذويهم، ومساعدتهم على الخروج من الصّدمة النفسيّة التي ألمّت بكُثُر.

وتوضح أنه "إثر تحرّكنا في المستشفيات لمسنا حاجة عائلات كثيرة لتأمين الطبابة والدواء، ولمعالجة التشوّهات الممكنة".

في الأثناء، عرضت هذه المنظّمة التعاون للمساعدة في مشروع مدّ الأسر بالحاجات الملحّة المطلوبة.

 

تعبّر سكّر بأسى عن فقدان ستة أحداث وشبانٍ الحياة في المستشفيات أثناء تلقّي العلاج في الغرف المركّزة فيما الآخرون شُفُوا وغادروها. وتستوقفها مساحة الظّلم التي حلّت بالّذين قضَوا وتشوّهوا وأُصيبوا بجروح جسيمة، أو الّذين تضرّرت أرزاقهم من دون اقتراف أيّ ذنب، وهم يتلقّون ضربات القدر. كذلك لفتتها عزّة النفس عند العائلات المستورة الصامتة بالرّغم من حاجتها الماسّة، وتحمل وجعها بصمت. وحزّ في نفسها عدم اعتراف بعضِهم للجيش بحقَّه وتعبه. وترى أمام هول ما يمرّ به اللبنانيون أنّ "الإنسان في لبنان مخطوف، ولا يُدرك غدَه. كم نحتاج إلى التّسامح وبناء ثقافة السّلام المجتمعيّ في كلّ ميدان، ونبذ الطائفية وإثارة النعرات؛ وليد الفكر الصهيوني". وتجد سعادة في تحقيق الاتحاد نقطة ضوء في العتمة، من خلال تحرّكه للحفاظ على عائلات من الانهيار، وتوفير المعالجة الطبّية والمؤازرة في التحضير للسنة الدراسية، وتأمين النظافة وإعادة الأمل إلى باب رزق بعضها، وشبك الخدمات مع الذين كانوا يعملون ميدانياً من جمعيات و"كاريتاس"، وإفادة كلّ أفراد العائلة من خلال مساعدة القاصر. تقول: "إنّ شعور العطاء جميل يؤدي إلى توسعته في الذات البشرية، فسائق سيارة الأجرة الذي كُسرت ضلوعه من الانفجار لمصادفة مروره في ذلك المكان في تلك اللحظات المشؤومة، وتضررت معيلته في هذه الدنيا، قد عاد إلى مزاولة عمله بعد رأب الضرر في آليته".

 

 

 

وفي ذهن سكّر قاصران في سنّ الخامسة والسابعة، تركزت مقاربة وضعهما على الدعم النفسي، الذي اعتمد في حلقات، مع أبناء جيلهم المحتاجين، على هذا النوع من الدعم. فانصرفوا خلال جلسات دامت ثلاثة أشهر، على يد المرشدات الاجتماعيات، للتعبير عن أنفسهم من خلال الرسم وسماع الموسيقى، وألعاب متنوّعة أظهرت مدى الغضب الذي يختزنونه، ثم شعورهم بالارتياح بعد تفريغ الطاقة السلبية من ذواتهم. تقول: "أحياناً أجريناها على حدة مع كل عائلة عند اشتداد وطأة جائحة كورونا. نستطيع القول بأنهم تخطّوا الحالة التي غزتهم من جرّاء الانفجار نحو التحسّن والأفضل". ولا تنسى سكّر حالة ابنة الأربعة أعوام، التي رفضت العودة الى منزلها بعدما دمّره الانفجار، أو حتى رؤية الحيّ الذي تقيم فيه، فقد ارتفع صراخها بلا توقف خوفاً وارتعاباً. "أول تدبير اتخذناه استئجار منزل لهذه العائلة لشهرين، يبعد عن محيط الدمار الذي أحدثه الانفجار. وبعد انقضاء مدة الإيجار وجلسات الدعم النفسي، وافقت الصغيرة على العودة الى المنزل الأم. وحالها لا يقلّ مأساة عن تشوّه وجه طفلة ناتج من آثار التقطيب. الحاجة كانت ماسّة الى ترميمه بمستحضر خاصّ باهظ تم تأمينه ومفعوله سحريّ. كانت الطفلة تخشى رؤية وجهها في المرآة. اليوم غابت هذه النتوءات عن سحنتها. أما الكلام عن نكبة تلك العائلة فمأسوي؛ فقد أصيبت الأم والابنتان إصابات بالغة، ونجا الوالد والابنة ودُمّر المنزل. ورغم العلاج قضت الجريحتان في المستشفى، فيما اضطر الوالد إلى البقاء الى جانبهما خلال الأمل بالشفاء ليخلد في مأجور تم تأمينه له، فيما تشرّدت الابنة الصغيرة الناجية عند الأقرباء. "لم نستطع القيام بأكثر من ذلك، إنه القدر الصعب". أما "الأرملة ذات الـ 19 عاماً فمأساتها فقدها زوجها العامل في المرفأ أثناء قيامه بواجبه، تاركاً الأمّ لثلاثة أولاد. الأخير أبصر الحياة بعد أشهر قليلة على وفاة والده. وتقيم العائلة في أقاصي عكار. كان الضحيّة يهبط الى العاصمة تحصيلاً للقمة العيش. أحطنا عائلته مثلما أحطنا عائلات أخرى".

 

الجمرة لا تحرق إلّا مكانها. ثمة من خسرتهم عائلات في نكبة المرفأ، على عتبة الشهر العاشر لنارها الكاوية، التي حلّت بالضحايا والجرحى في العديد من العائلات. وترى سكّر، رغم أنياب الجحيم الكاسرة ومآسيها الجمّة، في الظلمة بقعةَ ضوء فكّت الحصار الاقتصادي عن لبنان، بعدما كانت الدول عاكفة على مساعدته في ظلّ العقوبات المفروضة عليه.

 

 

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم