الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ساءت حالتها بسبب عدم توفر دوائها بانتظام... "يلي عم منشوفو بالمستشفى بخوّف"

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
صورة من داخل المستشفى (النهار)
صورة من داخل المستشفى (النهار)
A+ A-

تسوء الأمور يوماً بعد يوم، وما يُحكى في العلن تختلف مقاربته على أرض الواقع. في الصيدليّات والمستشفيات وجعٌ آخر، معاناة أخرى، ولكلّ مريض قصّة. المطالبة وحدها لا تكفي لتنقذ المرضى، والحديث عن سياسة ترشيد الدعم لن يخفّف من "الذّلّ" الذي يعيشونه عند طلب الدواء. الأدوية في المستودعات مكدّسة، فيما يركض بعض المرضى في المستشفيات نتيجة انقطاع دوائهم. صحّة هؤلاء ليست أولوية عند البعض، فالمال أَولى من الإنسان.
قصة الطفلة غريس وصرخة والدها وطبيبتها أكبر دليل على الواقع الصحّي المرير الذي وصلنا إليه. لا أدوية لمعالجة المرضى؛ لا موادَّ أساسيّة لإجراء الفحوص الطبّية، والتشخيص "ع التقدير"، فما يجري خطير ومُقلق. وبالرغم من صرخات الأطبّاء والقطاع الصحّي المحذّرة من تدهور الخدمات والمعالجات الطبّية، فإنّ أحداً لم ينجح بعد في وقف هذا الانهيار.
نعود إلى قصة غراسيا الموجودة اليوم في المستشفى بعدما أُدخلَت ليلاً إلى الطوارئ. يقول والدها زخيا محفوظ لـ"النهار" "إنّ انقطاع دوائها جعلنا نتخذ قراراً بعدم إعطائها الحقن كلّ يوم، للاستفادة منها لأطول وقت ممكن. وعليه، بدأنا نعطيها الحقنة كلّ يومين أو ثلاثة عوض حقنها كلّ يوم، ما أدّى إلى تدهور صحّتها. لم يكن أمامنا خيار آخر، المعاناة والذّلّ في إيجاد دوائها والخوف من الأيام المقبلة دفعتنا إلى
عدم الإفراط بالحقن.
 
مشوار الذّلّ لإيجاد دوائها كان كفيلاً بإطلاق صرختنا لتأمينه. ويعود الفضل الأول إلى طبيبتها الدكتورة ميريام العمّ، التي سعت جاهدة إلى التواصل مع دول الخارج لتأمينه".
 
ويؤكد والدها زخيا أنّ "وكيل الدواء الذي يوزّع إلى الشرق الأوسط أكّد لنا أنّ الأدوية موجودة بكميّات، إلّا أنّ الزعماء يكذبون ولا يدفعون الأموال. ومع ذلك نحاول جاهدين تأمينه، ولقد تمكّنت وزارة الصحّة من تأمين علبة للأسابيع الثلاثة المقبلة، ولكن ماذا عن الأشهر الباقية؟ هل علينا أن نعيش
في الخوف والقلق والعجز لأبسط حقوقنا ومطالبنا".
 
 
وطلبت وزارة الصحّة من الوالد أن يقدّم كلّ 20 يوماً طلباً جديداً للحصول على الدواء، "وعند تقديم الطلب لا نسمع سوى أنّ الدواء غير موجود، أو أنّ وزارة المال لم توقّع على الأموال... لماذا علينا اللجوء إلى الوساطة والنواب لتأمين الدواء، فيما هذه واجبات الدولة التي تأخذ منّا الضرائب ولا تؤمّن لنا أدنى حقوقنا؟".
 
للأسف كما يقول زخيا: "أصبح الدواء ذلّاً، وأصبحنا نتسوّل من أجل تأمينه. مَن كان يتوقع أننا سنصل إلى هذه المرحلة من الوجع والقهر، تسألني: "لماذا أنا مريضة؟". ماذا تقولين لابنة الـ7 سنوات التي تتألّم ولا تجد الحقن للتخفيف من أوجاعها؟".
 
تُعالج غراسيا اليوم في المستشفى، وعليها أن تبقى أسبوعاً على الأقلّ. وإذا لم تتحسّن حالتها فستبقى أسبوعاً آخر. ويختم والدها برسالة مؤثرة قائلاً: "ما بدنا شي، ليه بدنا وسايط لنأمن الدوا، ليه الحكما بدهم يركضو كرمالنا، والدولة ما بدا تعمل شي".
 
 
ما رواه زخيا بحرقة قلب والد على ابنته، تؤكّده اختصاصية طبّ الأطفال الدكتورة ميريام العمّ، التي عبّرت عن تجربتها مع غراسيا بمنشور على صفحتها في "فايسبوك": "في عيادتي اليوم، طفلة لا تستطيع المشي من كثرة الوجع، والسبب انقطاع دوائها kineret. إذا شي زعيم ببوس الواوا، أرسلوا لي رقمه ليشفيها".
 
موجعة كلماتها وصادقة، لكن هل يشعر المسؤولون بوجعنا والذلّ اليوميّ الذي نعيشه؟!
 
تعاني الطفلة غراسيا ما يُسمّى الـ fièvre méditerranéenne familiales، والنوع المصابة به لا يتجاوب مع الدواء العادي وهو الـChoclhicine، وتحتاج دواء الـ kineret. ونتيجة انقطاعه في لبنان، اضطرّت العائلة إلى إعطاء الحقنة كلّ يومين أو ثلاثة أيام عوض حقنها يومياً كما هو المفروض. ونتيجة هذا التقطّع في الحقن اشتدّ المرض عليها، إذ بدأت تعاني ارتفاعاً في الحرارة وألماً في البطن. وفي كلّ دول العالم، على المريض ألّا يوقف هذا الدواء، وعليه مواصلة العلاج لسنين بشكل يوميّ، لكنّ الواقع في لبنان مغاير وما يعيشه المرضى لا يعرف به سوى الأطبّاء وعائلاتهم.
 
 
والموجع المبكي - حسب العمّ - أنّ "إجراء الفحوصات بات مهمّة مستحيلة. فحص الالتهاب غير متوفر، وكذلك الموادّ لإجراء السكانر ومتابعة حالة الطفلة. حقيقة لا أعرف مدى وعي الناس بخطورة الوضع في المستشفيات والقطاع الصحّي في لبنان. لم يعد الطبيب قادراً على معالجة المريض بطريقة صحيحة وتطبيق المعايير الدولية في ظلّ الشحّ وانقطاع الموادّ الأساسية للفحوص المخبرية والشعاعيّة".
 
يعجز الأطبّاء اليوم عن التشخيص كما يجب، لأنّ الموادّ الأساسية للفحوصات مقطوعة وغير متوفرة، ولم يعد بمقدورهم معالجة المرضى بطريقة صحيحة.
 
فما يجري مخيف، تضيف العمّ: "كتير هلقد يلي عم بصير، ويلنا نأمّن حليب للأطفال وأدوية وويلنا نعالج بالموجود. حتى إنّ هناك بعض الأدوية التي لم نسمع بها من قبل ولا نعرف عنها شيئاً. ومعظم الأدوية التي كنا نصفها لم تعد موجودة".
 
نحن في دوّامة لا تنتهي، وبات الاستشفاء حكماً على الأغنياء في ظلّ توقف الجهات الضامنة على تحمّل التكاليف.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم