سرّ اتّحاد الروح

التقى مارد المعرفة بشاب قابع تحت سنديانة العمر وسأله: أعرف حياة جسديكما جيداً ولكن ما هو سرّ روحها الغريب الجليل الشريف الذي يعانق روحك؟ وكيف تنقطع أنفاسك وتشعر بأنك تختنق وأن الحياة تهرب من أعماقك وتهرول بعيدة عنك حينما تبتعد عنك، حينما تغيب صورها وكلماتها عن هاتفك، حينما تحجب عنك كلّ أثر لها؟ وكالبرق عندما تعود يشع في صدرك الفرح وتتأجّج في حنايا روحك شعلة الأمل والرغبة في الإبداع والتفوّق.
يصمت قليلاً ويرسم على شفتيه ومضة ابتسامة فيها بوح كبير لعبارات أزهرت من فؤاده، ثم تحدّث بصوت خافت ثابت جسور: أبحث في لغة الإنسان عن مفردات تصف المشاعر التي تختلج في النفس وتليق برابط سماوي نحيا به ونرتوي منه رحيق الحياة. ما يجمعنا هو أكبر من مواثيق وآصِرة هذه الدنيا. هو جزء من النظام الكوني الأزلي الذي تسبح في أثيره الأرواح المتحابة، رابط يتوهّج من شعاع شمس الطهارة والنقاء ويتزين بأزهار الإيمان والصدق، قمره يبعث ضوء حب صادق دافئ على مروج القلوب ويمحو كلّ تعب وألم في خبايا الصدور المثقلة بالهموم. نعم وهي الملكة على عرش هذا الانسجام الروحي، فمن مقلتيها ترتوي النفس جمال البراءة ومن ثغرها الكرزي الفاتن تسمع همسات السكينة والطمأنينة وترى في وهج وجهها مواكب الأحلام وأسراب الطفولة العفيفة وحينما تلامس خدك بأصابع يدها الصغيرة الناعمة تنساب في عروقك نسيمات الروح وعطور الحياة فتدرك مكنونات روحها وفكرها، وتتنشّق شذى أنوثتها الساحرة الخلابة، والأهم أن روحي تنسجم مع روحها وتمتزج بفكر واحد راق صادق، وبإحساس نبيل أخّاذ آثر يجعلنا نحيا بروح واحد في جسدين، فلا تفصلنا مسافات الأرض ولا زمان هذا العالم، فمهما حجبنا المدى عن بعضنا ومهما خطف الوقت لقاءنا معاً فحينما المح ظلها أو أسمع لفظ كلمة منها أو أقرأ حرف من مداد قلمها يتفجر في أعماقي إكسير الحياة ويولد الإنسان في داخلي من جديد. حينما نلتقي نصبح خارج تغطية هذا العالم ونحلق بأجنحة روحنا الواحدة في فضاء موطننا هناك ما بين سحاب مشاعرنا وقرب جنائن السموات نقطف ورود حب وجداني وياسمين الطهارة والصدق، وتغرّد طيور مبادئنا أروع ألحان النفس العذبة.