الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الصحّة النفسيّة للصحافيّين… أولويّة مهملة

المصدر: النهار - حنان الميسي
عندما تجتاح الكوارث والصراعات العالم، فإنّ العيون تتجه بشغف نحو الصحافيين الشجعان الذين يواجهون المخاطر لتوفير التقارير والأخبار الرئيسية
عندما تجتاح الكوارث والصراعات العالم، فإنّ العيون تتجه بشغف نحو الصحافيين الشجعان الذين يواجهون المخاطر لتوفير التقارير والأخبار الرئيسية
A+ A-
عندما تجتاح الكوارث والصراعات العالم، فإنّ العيون تتجه بشغف نحو الصحافيين الشجعان الذين يواجهون المخاطر لتوفير التقارير والأخبار الرئيسية. ورغم إنّهم يرتدون درع الشجاعة والمهنية إلّا أنّ هناك واقعاً مؤلماً وراء كلّ قصّة جريئة، فالصحافة ليست مجرّد توثيق الوقائع، بل هي معركة شرسة تخوضها نفس جريئة في سبيل العدالة و الحقيقة. لكن هل نظرتم يوماً إلى شظايا الأضرار التي تتسلّل إلى أرواحهم؟ وهل سألتم أنفسكم؟ ماذا عن صحّتهم النفسية؟
ثمّة مقولة تعتبر انّ "الصحافة هي المرآة التي نرى بها العالم من حولنا"، و هذا بالتأكيد صحيح. ومع ذلك، فإنّ المرآة هذه قد تكون مشوّهة أحياناً، تعكس تجربة الصحافيّين الشخصية وصراعاتهم الداخلية. فعلى مدار ساعات عملهم الطويلة وعند تعرّضهم للضغوط النفسية المستمرّة، يجدون أنفسهم ضحايا مشاكل الصحّة النفسية التي قد تهدّد عافيتهم الشخصية ومهنتهم.
ليس سهلاً أن تكون صحافياً في زمن تجتاح فيه الأحداث العالم بشتّى أشكالها وتغيراتها المتسارعة، يعيش الصحافيون حياة تحكمها المواعيد الصارمة وضغوط العمل المستمرّة، فهم يجدون أنفسهم في قلب العواصف وبين خطوط النار في الأزمات والصراعات، خاصّةً في تغطية الحروب الدامية، ونقل القصص المأساوية، عدا التهديدات والعنف أثناء التغطيات المباشرة، ولا ننسى تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ الذي يتطلّب منهم تواجدهم الدائم على "الإنترنت" وملاحقة الأخبار الحيّة على مدار الساعة، بالإضافة إلى الانتقادات القاسية التي يتعرّضون لها من الجمهور أو المسؤولين، وهذا يضيف أعباء إضافية على صحّتهم النفسية.
في ظلّ هذه الظروف يتعرّض الصحافيّون لتأثيرات نفسية تجعلهم في خطر صحّي مثل القلق المستمرّ، الشعور بالانزعاج، الغضب، الاكتئاب، الإرهاق المزمن، وخفض الرغبة في العمل، ويشعرون بالخوف والتوتر الشديد، والصدمات النفسية واضطراب ما بعد الصدمة، وتنخفض قدراتهم في التعامل مع الضغوط اليومية، لذا على الصحافيين أن يتعلّموا كيفية الاعتناء بصحتهم النفسية للحفاظ على جودة عملهم وسلامتهم الشخصية.
لقد أكّدت دراسات عدّة أنّ القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة أيضاً، تُعدّ كلّها من التأثيرات الشّائعة على الصحّة البدنية والعقلية في أوساط الصحافيين. وفي ما يتعلّق بالصدمة يعتقد البعض أنّها تلحق حصراً بالصحافيّ الذي يتعامل مع الأحداث المروّعة بشكل مباشر، كالمراسل المتواجد في بؤر الصراع والكوارث. ولكن في الحقيقة، حتّى من يجلس طوال الوقت في غرفة الأخبار عرضة للصدمة كذلك، وحسب الجمعيّة الطبّيّة البريطانيّة فهنالك ما يُسمّى الصدمة غير مباشرة الناتجة عن تعاطف مع الناجيين من الصدمات، و التعامل اليوميّ مع القصص المأساوية، حتّى وإن كان من وراء الشاشات وعبر الكتابة والتوثيق.
في هذا الصدد، تُقدّم المعالجة النفسية الدكتورة ميرا زهوي عدداً من النصائح التي تساهم في تعزيز الصحّة النفسية للصحافيين. وتشمل هذه النصائح أن يدرك الصحافيّ أنّ هذه الأزمات والظروف التي يعمل خلالها لن تستمرّ إلى الأبد، وأن يتعلّم كيفية التعامل مع ضغوط العمل وإدارة الوقت بشكل جيّد وتحديد الأولوية وتنظيم المهام، ولا بدّ من التفكير في استراحة عقلية وبدنية من خلال تخصيص وقت للراحة والاسترخاء مثل ممارسة التأمّل واليوغا والرياضة، وتجنّب العمل المفرط، وتحمّل العبء بأكثر ممّا يمكن تحمّله، ومشاركة تجربة العمل مع الزملاء للحدّ من أثر الصدمة، وتواجده دوماً بين الناس والأصدقاء الإيجابيّين، وتجنّب العزلة، والحفاظ على التوازن بين الحياة المهنيّة والشخصيّة، وتبنّي نمط حياة صحّيّ، والحصول على قدر كاف من النوم والراحة، والأهمّ من ذلك، عدم التردّد في طلب المساعدة إذا شعر بالضغط النفسيّ، من خلال متخصّص الصحّة النفسية أو الدعم المجتمعيّ المُتاح.
وتشير زهوي إلى أنّ للمؤسّسات الإعلامية دوراً محوريّاً أيضاً في تعزيز دعم الصحّة النفسيّة للصحافيّين العاملين لديها، إذ يجب اعتبار الدعم النفسيّ إجراءات ضرورية تعادل ارتداء الخوذة والسترة الواقية للتخفيف من إصابات العمل، وذلك من خلال توفيرها بيئة عمل صحّية ومرنة لموظفيها، وتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ لهم، واعتماد برامج و نشاطات ترفيهية وتثقيفية وتوعوية حول أهمية الصحّة النفسيّة وكيفية التعامل والتحكّم بالضغوطات الناجمة عن العمل، بالإضافة إلى ذلك، توفير خدمات استشاريّة نفسيّة لموظّفيها بشكل دوريّ.
في الختام، الصحافة ركيزة أساسيّة في تشكيل وجهة نظر المجتمعات، ومن الضروريّ أن تكون صحّة الصحافيّ نفسياً من أهمّ الأولويّات. فلنتذكّر أنّ الصحافة تقوم على كتفين قويّين، قدرة إبداعيّة ممتازة وصحّة نفسيّة قويّة، فقط بتحقيق التوازن بينهما يمكن للصحافة أن تبقى رائدة، لذا فلندعم ونشجع الصحافيّين على العناية بصحّتهم النفسيّة، لأنّهم يستحقّون أن يظلّوا جنود الحقيقة في عالم متلاطم بالأخبار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم