السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

رصيف قارص

المصدر: النهار - محمد حسين - سوريا
كانَ الليلُ يلثمُ هدوءَ الشوارعِ الخاليةِ من المارّةِ على غيرِ عادتِها
كانَ الليلُ يلثمُ هدوءَ الشوارعِ الخاليةِ من المارّةِ على غيرِ عادتِها
A+ A-
كانَ الليلُ يلثمُ هدوءَ الشوارعِ الخاليةِ من المارّةِ على غيرِ عادتِها، لسعاتُ البردِ المتلاحقةِ تبحثُ عن وجوهٍ غادرَها الفرحُ المخدوشُ بأنياب الحياةِ، كانَت الساعةُ تقتربُ من الحادية عشرة، عندما كنْتُ أمشي وطفلي المشاكسِ، فجاةً جرسُ هاتفِي يتلقى رسالةً، ترددْتُ في البدايةِ أن أخرجَه من جيبي لأنَّ يداي كانتا ممتلئتين بالدفء،
طفلي المشاكس ألحًّ عليَّ أن أخرجَ الهاتفَ وأقرأ الرسالةَ كأنّه كانَ يعلمُ بمحتواها، بعد إصرارٍه طلبْتُ منه أن يفعلَ ذلك أخرجَ الهاتفَ وقرأَ الرسالة .
بابا: بيسان تريدُ قطعاً من الحلوى .
بدَتْ عليه علاماتُ الفرحِ لأنَّه من عشاقِ الحلوى.
قلْتُ له لا أعتقدُ أنّ هناكَ محالّاً فاتحة في هذا الجوِّ وفي هذه الساعةِ.
أشارَ إليّ بيده لأقصى زواية من أحد الشوارعِ، انعطفْنا يميناً باتّجاهه، كانت خطواتُنا تسابقُ الريحَ نريدُ أن نصلَ بأقصى سرعةٍ ممكنةٍ، سرْنا على الرصيفِ الفارغِ تماماً من أقدامِ المارّةِ، كنت شارد الذهن لم أكنْ منتبّهاً إلى أيِّ شيء، كان همّي الوحيدُ الوصولَ إلى محلِّ الحلوياتِ، فجأةً يمسكُ طفلي المشاكس بيديَّ يشدُّني إلى الخلفِ.
أنظرْ هناك: نظرْتُ فإذا بطفلين نائمين على الرصيفِ يلتحفان غطاءَ السماءِ، متكوّران على بعضهما من شدّةِ البرد لم أستطعْ الحديثَ أصابني نوع من الدهشة.
قلْتُ له لنتابعَ المسيرَ، تابعنا حتى وصلْنا إلى محلِّ الحلوياتِ اشتريْنا بعضاً منها وغادرْنا على عجلٍ، دفعني المشهد أن أعود من نفسِ الطريق، وجدنا الطفلين على وضعِهما، تقدمْنا منهما،
سألْتهما أينَ والدكما؟
ردَّ أحدهم لقد فارقَ الحياةَ..
أينَ والدتكما؟
ردَّ الطفلُ الآخرُ لقد تزوّجَت.
قلْتُ لهما ألا يوجدُ بيتٌ يأويكما!!
قالوا: لا.
كانَ جسداهما يرقصان من شدّةِ البردِ كراقصةِ باليه فقدَت السيطرة على جسدِها في لحظةِ جنون.
شفتاهما كانتا تميلان إلى الزرقةِ.
قلْتُ لهما لو كانَ بيتي قريباً لأحضرْتُ لكما غطاءً، كأنّهما كانا ينتظران هذه الكلمةَ التي وقعَت عليهما كأرضٍ يباب تنتظرُ المطرَ منذ عقود.
ردَّ أحدُهم بلهفةٍ: سنذهبُ معكَ إلى البيتِ لتعطينا غطاءً،
اصطحبْتهما معي إلى البيتِ أعطيْتهما غطاءً كان َبالنسبةِ لهما أثمن هدية، لم يطلبا النقودَ أبداً، بادرت وأعطيتهما بعضاً منه، وضعا الغطاءَ على جسديهما ومضيا يبحثان عن ملاذٍ يتظلّلان به.
كأنَّ الحياةَ قرّرت الانتقام من هذين الطفلين، لكنّ الشمسَ لن تتركهما أبداً ستمنحهما بعضاً من دفئها حتّى يتوقفَ جنونُ الحياةِ...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم