الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

متحوّرات الفساد في لبنان

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
ليست غرابة ملاحظة المراقب العادي للطبّ التخصّصي أنّ هناك شبهاً بين متحوّرات وباء كورونا (كوفيد - ١٩)، وبين متحورات المنظومات السياسية الفاسدة
ليست غرابة ملاحظة المراقب العادي للطبّ التخصّصي أنّ هناك شبهاً بين متحوّرات وباء كورونا (كوفيد - ١٩)، وبين متحورات المنظومات السياسية الفاسدة
A+ A-
ليست غرابة ملاحظة المراقب العادي للطبّ التخصّصي أنّ هناك شبهاً بين متحوّرات وباء كورونا (كوفيد - ١٩)، وبين متحورات المنظومات السياسية الفاسدة التي تسلطت على القطاع العام منذ بدء منح الانتداب الفرنسي الاستقلال إلى اللبنانيين!
بداية، تعرّف العالم على وباء الكورونا بعد الإصابات المتكاثرة القاتلة التي تعرض لها، تحت مسمّى وباء (كوفيد -١٩)، الذي أقفل مؤسسات كلّ دول العالم الخاصة والعامة، من أقصاها إلى أقصاها، واتخذت إجراءات وقائية قاسية، عندما لم يتوفّر حينئذ لقاح مكافح لهذا الوباء الجديد، أو بالأحرى المتجدّد!
اخترع العلماء بعد تجارب مخبرية حثيثة، لقاحات في دول عديدة متقدمة، تحت أسماء لها دلالة على أسماء دولها، مثل "السينوفارم" لدى الصينيين، وبرزت بينها أسماء أخرى تشجع لقبولها معظم البشر، والتي منها: الـ"بفايزر"، و"مودرنا"، في أميركا، و"أسترازنيكا" في المملكة المتحدة.
بعدئذ، تحدّى وباء كورونا العلم والعلماء وظهرت له متحورات خطيرة لم تقوَ على اللقاحات المكتشفة للوقاية منها!
ظهرت العينات الأولى والمتتالية لتلك المتحورات في كلّ من البلدان الآتية: متحور "ألفا" alpha في المملكة المتحدة، و"بيتا"beta في جنوبي أفريقيا و"غاما"gamma في البرازيل، و"دلتا"delta الهند، و"أوميكرون"Omicron في جنوبي أفريقيا، قبل أن تنتشر كلّ هذه المتحورات بعدئذ حول العالم، وتشكّل رعباً صحّياً متجدّداً!
الغريب في الأمر أنّ منظمة الصحة العالمية كانت تتّخذ قرارات ملزمة لكلّ الدول للاحتراز من الوباء، علماً انّ الحرص والوقاية كانا من صلب تلك التدابير، وانتقلت مقرّرات المنظمة من متحوّر إلى متحوّر آخر، دون الإعلان عن حصول مكافحة كاملة للمتحوّر الذي سبقه، ويستمرّ الأمر على هذا المنوال حتى يومنا هذا، مع المتحوّر الأخير "أوميكرون"!
ترتعب البشرية حاليّاً وفي كلّ العالم، من سرعة انتشار المتحوّر الأخير، غير آبهين لإمكانية بقاء واستمرار انتشار المتحوّرات السابقة، كما لو أنّها قد سقطت في غفلة عن الزمن وبسحر ساحر!
أتوقّف هنا لأقول أنّ تعدّدية متحوّرات وباء كوفيد -١٩ خلال العامين الماضيين، تتناغم مع متحوّرات الفساد الذي رزح ويرزح تحتها كلّ اللبنانيين ولا يزالون، منذ الأيام الأولى للاستقلال وحتّى يومنا هذا.
يشكو ناس هذه الأيام من فساد المنظومة المتسلطة، ذات المتحورات المتعددة الأوجه، ناسين أن المنظومة الحالية قد ورثت عن آبائها وأجدادها كل هذا الفساد، وزادت عليه عبئاً غير محتمل من الظلم والتظلم، والنهب والاختلاس، والنفاق، والجشع، والطمع!
يحار المرء عندما يستمع إلى الذين يشدّهم الحنين إلى الماضي ويتغنون بالعهود "الذهبية" التي سبقت، وهم غافلون، أو متغافلون - إمّا بسبب تزمّتهم المذهبي، أو السياسي لهذا الفاسد أو ذاك - ناسين أنّ تلك العهود "الذهبية" قد شهدت بيع عقارات وأملاك الفلاحين بأرخص الأثمان لتعليم أبنائهم وبناتهم، وحدث بعد ذلك نزوح قاهر ومتكاثر من ابناء القرى إلى المدن للحصول على المال النقدي في المصانع، وتوقف الإنتاج الزراعي الذي كان حاصلاً في القرى قبل نزوحهم إلى المدن!
لقد تفشّى البؤس، والتشرّد، لدى الشعب اللبناني وارتفع عدد البائسين إلى مستويات خيالية مؤلمة، دفعتهم للهجرة إلى مجاهل الغربة، والمعاناة القاسية!
هل قرأ أو سمع أحد اللبنانيين المجاهدين الشرفاء، أنّ أحداً من أبناء تلك المنظومات السياسية المتسلطة الفاسدة والناهبة للمال العام قد جاع؟ أو اضطرّ أن يهاجر لبنان، طوال العقود السابقة؟ طبعا لا، وألف لا!
إنّ وباء كوفيد -١٩ وكلّ متحوّراته، التي من المحتمل أن تزداد خطورة على بني البشر، هي أرحم وأقلّ خطورة من أوبئة هؤلاء الأفاعي أبناء الأفاعي، والأبالسة المتسلّطين على رقاب اللبنانيين وأرواحهم، منذ "الاستقلال"!
أعود إلى جبران خليل جبران الذي كتب عن مجاعة الشعب اللبناني أيام الحرب العالمية، قائلاً أنّه حزين كلّ الحزن، لأنّ أهله في لبنان لم يموتوا متمردين على الطغاة، لكنهم ماتوا جوعاً في الأرض التي تلد لبناً وعسلاً!
بالرغم من قساوة وتشاؤمية الانتقاد لدى جبران خليل جبران، فإنني لا أزال آمل بقيامة هذا الشعب الذي أنهكه التزمّت والتعصّب المذهبيّ والطائفيّ، و"الزعاماتيّ"، وأنّه سوف يتمرّد على طغاة الحاضر، ويبقى حيّاً، حتّى يقود مسيرة الحقّ ضدّ الباطل، والوفرة ضدّ الندرة، والوعي ضدّ الجهل!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم