الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سيّدي الرّئيس -٢- ...

المصدر: النهار - غادة المرّ
عشيّةَ ذكرى الاستقلال، لم أستطعْ أن أغفوَ ...كنتُ أختنق.
عشيّةَ ذكرى الاستقلال، لم أستطعْ أن أغفوَ ...كنتُ أختنق.
A+ A-
عشيّةَ ذكرى الاستقلال، لم أستطعْ أن أغفوَ ...كنتُ أختنق.
الاحتفالُ أصبحَ مجرّدَ ذكرى مؤلمة.
أغداً بالاستقلالِ تحتفلون؟ ألا تخجلون؟
أمن أجلِ دولةٍ كهذه استشهدْتم يا أبطالَ بلادي؟
سيّدي الرئيس …
عشيّة ذكرى الاستقلال، أعذرني إن قلتُ ذكرى، فنحن من زمنٍ بعيدٍ لم نعدْ نحتفلُ بل أصبحنا نتذكّرُ فقط، فلم يبقَ شيءٌ من هذا الاستقلالِ، إلّا الكلمة والذكرى والحسرة.
رسالتي هذه، هي الرّسالةُ الثانيةُ، وكم أخشى أن لا تلقَ ردّاً كرسالتي الأولى.
سيدي الرّئيس…
ماذا لو أمطرَتِ السّماءُ، وحصلتْ معجزةٌ، ولبيّتَ دعوتي المتواضعةَ والاافتراضيّة للقاءٍ في مقهىً قديمٍ، نحتسي معاً فنجانَ قهوةٍ مرّةٍ كمرارةِ أيّامِنا.. سوداءَ كموتِ رحيلِ أحلامنا؟
هناكَ.. أسلّمُكَ رسالتي، يداً بيدٍ، فرياحُ الحرّيّةِ لا تحملُ الرّسائلَ المبلّلةَ بعيداً.
دعْ لهم يا سيّدي ترفَ إحياءِ تلكَ التّمثيليّةِ الفاقعةِ النّافرةِ، ككذبةِ أن نصدّقَ أنَّ لنا وطناً حرّاً مستقلاً.
دعْ لهم يا سيّدي لعنةَ أن يمارسوا طقوسَهم الفاجرةَ على مسرحِ دمى سلطةٍ، استباحَتْ كلَّ المحرّماتِ والمنطقِ، واغتالَتِ الوطنَ وشوّهَتْ ماضيه، حاضرَه وأعدمَتْ مستقبلَه.
تعالَ نجلسُ في ركنٍ بسيطٍ، صامتٍ، دعْ لهم قصرَ بعبدا، فخامةَ المكانِ، الحرسَ الجمهوريَّ والمواكبَ.
رسالتي... صرختي… دمعي ووجعي، تحملُ توقيعَ ٤ ملايين لبنانيّ ولبنانيّة، كُتبَ عليهم أن يعيشوا في جهنّمَ، وأن يسلكوا دربَ جلجلةَ وطنٍ، طُعنَ بحربةِ فسادِ، عهرِ وإجرامِ طبقةٍ سياسيةٍ حاكمةٍ، متحكّمةٍ برقابِ شعبٍ عانى ويُعاني شتّى أنواعِ الذُلِّ والفسادِ والظّلمِ والحرمانِ ألواناً.
سيدي الرّئيس…
رسالتي.. صرختي هذه، أضعُها بين يديكَ، أستودعُكَ لبنانَ وشعبَه المسكين، وأرثي استقلالَه.
رسالتي مقتضبةٌ تضمّنتْ بضعَ كلماتٍ:
نحنُ يا سيّدي الرئيس:
نمرضُ
نهاجرُ
نُقمعُ
نُسجنُ
نتألّمُ
نُغتالّ
نيأسُ
نبكي
نُسرقٌ
نختنقُ
نجنُّ
نكفرُ
نُذَلُّ
نحن نعيشُ في جحيمٍ، نفتقدُ الوطنَ …الاستقلالَ…الكرامةَ…الأملَ … الحلُمَ والفرحَ.
نفتقدُ الأمنَ …الأمانَ ومقوّماتِ وهيبةَ الدّولة.
نحن نعيشُ في القعرِ، في مهبِّ الرّيحِ، وأصبحنا وليمةً دسمةً على طاولةِ المفاوضاتِ بين الدّولِ العظمى.
نحن شعبٌ، يسرقون تاريخه وحضارتَه وثقافتَه وأمواله…
نحنُ نعيشُ في وطنٍ، حدودُه سائبةٌ، عاصمتُه دمّرَتْ… فجّرَتْ… نهبَتْ واغتصبَتْ.
غداً سنكذبُ أكبرَ كذبةٍ.
أيُّ استقلالٍ؟ وأطماعُ الدّولِ ومصالحُها وأجنداتُها الخارجيةُ، تخنقُ وطني وتغتالُ شعبي.
أيُّ استقلالٍ، وسلطتي تلاحقُ قلمي ومقالي وكلمتي وتخنقُ صوتي؟
أيُّ استقلالٍ؟ وسلطتي تغتالُ حرّيتي وتصادرُ هويّتي وحقوقي!
مبروكٌ لكم استقلالكم الممسوخ والهجين، لم نعدْ نريدُه! احتفلوا غداً بفجوركم وتمثليتِكم الفاشلةِ، ودعوا لنا قدسيّة ثورةٍ تعيشُ فينا، ودعونا ندفنُ وطناً ونرثي الاستقلالَ.
سيدي الرّئيس ...
أعذر صراحتي ...
ماذا يحدثُ، حين يرحل الوقتْ خلفَ سُحُبِ الّنّسيانِ؟
حين يختنقُ الكلامُ، وتندثرُ الحروفُ والكلماتُ من صفحاتِ أوراقِ عمرنا، وتغرقُ في النّسيانِ.
أمن أجلِ دولةٍ كهذه واستقلالٍ كهذا، ماتَ كلُّ هؤلاء الشّهداء؟
ليت الاستقلالَ أغنيةٌ.. لحفظناها عن ظهرِ قلبٍ!
ليت الاستقلالَ عطرٌ لتنشّقناه هواءً!
ليت الاستقلالَ عشقٌ لعاشَ في القلبِ أميراً!
لكنّ الاستقلالَ وطنٌ وجيشٌ ودولةٌ وسيادةٌ وشعبٌ وحكّامٌ أوفياءٌ مخلصون وقياديّون يصنعون أوطاناً ويكتبون التّاريخَ ...
سيدي الرّئيس كنِ الاستقلالَ والوطنَ، واكتبِ التّاريخَ كيلا نحملَ الوطنَ في ذاكرتنا المبللّةِ بالوجعِ والدّمعِ والغربةِ وفي الذاكرةِ وحقيبةِ السّفرِ.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم