الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

هل يُمكن لآلةٍ خدمة العدالة؟

المصدر: النهار - المحامية نور الدرويش
دخلت الحداثة والتكنولوجيا على شتّى مجالات الحياة وطالت سائر المهن
دخلت الحداثة والتكنولوجيا على شتّى مجالات الحياة وطالت سائر المهن
A+ A-
دخلت الحداثة والتكنولوجيا على شتّى مجالات الحياة وطالت سائر المهن، بما فيها مهنة المحاماة، فكان آخرها ما أحدث بلبلةً بين أبناء هذه المهنة وأثار مخاوفهم، وهو ابتكار المحامي الرّوبوت، الذي طُوّر ليترافع مدعوماً بتقنيات الذّكاء الاصطناعيّ بدلاً من المحامي الإنسان!
كان من المقرّر أن تعقد جلسة الدفاع الأولى للمحامي الرّوبوت خلال الشهر الجاري، إلا أنّها قد ألغيت لاعتبارات خاصّة بالشّركة.
لكن، لو افترضنا أنّ هذه الجلسة قد عقدت، هل كان سيكون لها نصيب من النجاح؟ وهل من الممكن أن يصل تطوّر هذا الرّوبوت لأن يحلّ مكان المحامي الإنسان فعلاً؟! وهل من الممكن أن يُحاكي ضمير ومبادئ المحامي الإنسان والصّفات الأخلاقيّة والشخصيّة والمهنيّة التي يجب أن يتحلّى بها؟!
بدايةً، للإجابة عن هذه التّساؤلات لا بدّ لنا أن نشير إلى أنّ المحامي الرّوبوت قد تمّ إطلاقه كروبوت دردشة(Chat)، يعمل بتقنيّات الذّكاء الاصطناعي، لتقديم المشورة القانونيّة لجميع المحتاجين على حدّ سواء. وقد جرى تدريب الرّوبوت على ملفّات قضائيّة عديدة، ومتنوّعة المواضيع، واستغرق هذا التّدريب وقتاً طويلاً للتأكّد من ملاءمة هذا الرّوبوت للترافع ضمن قيود القانون، وذلك عبر مولّدات نصوص الذّكاء الاصطناعي بما في ذلك “Chat GPT” و“DAVINCI”.
ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه التّقنيّات قد أتت بنتائج مبهرة وجبّارة، وأثبتت نجاحها في حالات كثيرة ومجالات عدّة، إلاّ أنّه ما لا يجب أن ننساه هو أنّ هذه التّقنيّات هي من صنع الإنسان، وأنّ نتائجها محصورة ومقيّدة بالمعلومات والتدريبات والبرمجيّات التي صمّمها الإنسان أصلاً، والتي لا يمكن أن تتخطّى حدّاً معيّناً مهما كانت عظمتها ومهما علا شأنها.
أضف إلى ذلك، فإنّ ما لا تدرّسه كليّات الحقوق، وما لا يُمكن أن نجده في الكتب وقوانين العالم كافة هو طريقة التّفكير كمحامٍ!
فمما لا شكّ فيه أنّ المحامي يتمتّع بملكات فكريّة خصّ الله الإنسان وحده بها!
وصحيح أنّ الذّكاء الاصطناعي قد يصل إلى معرفة كلّ ما يُمكن معرفته والتوصّل إليه بخصوص القانون في غضون ثوانٍ، إلّا أنّه لا يُمكن الوثوق به في المهام الأعمق، التي تتطلّب تفكيراً تحليليّاً ناقداً، وهو أساس مهنة المحاماة التي لا تقتصر على حفظ القوانين بل تتطلّب ذكاءً تحليلياً يمكّن المحامي من التّعامل مع الحالات الجديدة التي تظهر يوميّاً، وقياسها مع القضايا المشابهة التي عرفها بحكم تجاربه، إضافة إلى أنّ الكثير من النّاس لن يفضّلوا "روبوت" قد يحصل عليه أيّ شخص ويوكّله، بل إنّ معظم الناس يفضّلون توكيل المحامي الذي يؤمّن لهم أفضل حقوق الدّفاع.
وأخيراً وليس آخراً، فإنّ المحاماة مهنة تهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرّأي القانوني والدّفاع عن الحقوق، وإنّ المحامي يقوم بممارسة مهنته مرتكزاً إلى الثّقة التي منحه إيّاها موكّله، والتي لا نعتقد أنّها ستمنح للرّوبوت في أيّ وقت قريب على الأقلّ، لكون هذا الرّوبوت لا يمتلك الأمان الذي يشكّله المحامي الإنسان لموكّله، لا سيّما أنّه مجرّد آلة مبرمجة، ولا يملك أيّة مشاعر وأحاسيس، كما لا يمتلك الضّمير المهنيّ والأخلاقيّ الذي يؤكّد عليه قسم يمين مهنة المحاماة، وهو الضّمير الذي تكمن فيه العدالة أيضاً ولا تقتصر على نصوص القانون فقط!
ويبقى السؤال عن الأساس القانوني لمسؤوليّة المحامي الروبوت في حال إخفاقه، لا سيّما أنّ لبعض هذه الروبوتات ميزة التّعلم والتطوّر الذاتي؟ وهل من الممكن إيقاع الجزاءات عليه؟ وإذا لا، فمن سيتحمّل هذه التّبعة؟!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم