الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

سقطت منظومة المحاصصة الفاسدة ولم يكتمل بناء بديل يتابع إدارة البلد...

المصدر: النهار - الدكتور سمير عاكوم
كاريكاتور ارمان حمصي
كاريكاتور ارمان حمصي
A+ A-
نحن على مفترق مرحلة جديدة بالكامل، قد تطول أو تقصر بحسب القدرة على إيجاد بديل عن السلطة الميتة الحاليّة، وواهم من يعتقد بأنّه يمكن لعقارب الساعة العودة الى الوراء، وبإمكانيّة متابعة مسيرة الشعوب بشعارات التعبئة العاطفيّة بعنوان "محبة من سبق من القادة أو الشخصيات التي رحلت وتناسي مبادئ وقيم هؤلاء القادة ومشروعهم الإنساني والوطني، الذي أعطاهم قيمتهم الاجتماعيّة والوطنيّة والإنسانيّة".
نعرف جميعًا بأنّ لعبة استغلال هذه الأسماء أتت في الغالب من أجل حرف مسارات المشاريع الوطنيّة والقيميّة للقيادة المؤسسة ممّن استشهد أو مات من أجلها هؤلاء القادة، وعليه تمّ دفن كلّ المشاريع الوطنيّة للقيادة الفكريّة اللبنانيّة في المرحلة الأولى من الحرب اللبنانيّة وتحويل أحزاب أنشئت من أجل جمع طاقات فكريّة تحقّق الأفضل للشّعب والوطن، الى ميليشيات هدفها الوحيد قتل أفكار ومبادئ القيادات والشخصيّات التي تحمل صورها وتتاجر بأسمائها، وصولًا إلى المرحلة الحاليّة وهي مرحلة طمس كلّ المفاهيم الوطنيّة والإنسانيّة والدينيّة التي تُعتبر مقاييس العمل الوطني والإنساني والقيمي.
هذا التوصيف يشمل كلّ أحزاب السلطة الحاليّة دون أيّ استثناء، وبالتالي فإنّ الانهيار القائم حاليًّا له مبرّراته الواقعيّة وهو نتيجة حتميّة لتراكمات متتابعة ضيّعت معالم طريق الوصول الى الدولة الحقيقية المرتبط تكوينها بمصلحة وآمال شعب، يرتبط بقيمه ومنفتح على التنوّع المحلي والعالمي.
في عملنا المتعلّق بتحليل وادارة الأنظمة الصحيّة نتكلم عن تحديد الاحتياجات الفعليّة للنهوض كنظام متكامل، يمتلك مجموع الوسائل المرتبطة بصحة مجتمع المستفيدين، بعيدًا عن المتغيرات التي يتمّ اقتراحها لتوافقها مع المزاج والاستهلاك اليومي، أو المؤشرات المتاحة والسهلة التي تحذر منها التقارير... أستعمل هذا التعبير لأقول أنّ الكثير من الطروحات الحاليّة هي مصطلحات قد عودتنا عليها زعامات سلطة الفساد وميليشياتها وهي داء مستعصي ولا يمكن التعامل معه كدواء شافي، وإن عدم الانطلاق من رؤية متكاملة للدولة الحقيقية ومفاهيمها الدستورية المرتبطة بمصلحة كلّ الشعب ستتسبّب حتمًا باستمرار الانهيار المتتابع وتحميل الشعب للقوى التغييرية مسؤولية ما حصل وما سيحصل لاحقًا.
ما نحتاجه فعلًا هو القدرة على "القطع والوصل" مع المبادئ والمفاهيم الصحيحة، ورؤية مستقبلية تسمح بخدمة هذه المفاهيم ووضع تنظيمها على السكّة الصحيحة.
من أهم مقومات القيادة الجديدة هي قدرتها على الخروج من مفاهيم تقديم الخدمات الفرديّة بناءً على معرفة خاصة، واستيعاب مشروع بنيّة دولة المؤسسات المتكاملة (مجلس شيوخ، مجلس نيابي، مجالس أقضيّة، دور المحافظات والإدارة العامة وبنيتها الفاعلة، المجالس البلديّة، الرئاسات، والعمل الحكومي)، أي حكم المؤسسات وتعاملها الفاعل مع المؤسسات الإنتاجيّة، إضافة الى كفاءة التعامل معها وتوضيح هذا المشروع للشعب كبديل صحي عن منظومة المحاصصة وحكم الزعامات الحالي والبلطجة المرتبطة بها.
إعادة توضيح المفاهيم المتعلقة ببنيّة الدول الطبيعية وشرح أسس تنظيمها هو أساس اختيار الكفاءات القادرة على خدمتها وتقويمها ومن ثمّ تطويرها، إضافة الى التواصل مع الطاقات الحيّة في المجتمع (طلاب، أساتذة، نقابات، عمال، قطاعات منتجة...) نحتاج الى الفصل بين العمل الميليشياويّ القائم وبين المفاهيم الحزبيّة الحقيقيّة للقيادة المؤسسة للأحزاب وللتيارات وللحركات، وذلك من أجل تحقيق تواصل مع باقي أطياف الشعب وإظهار أن مشروع بناء الدولة هو مشروع جامع ويخدم المنطلق الفكري لكلّ الأحزاب والحركات والتيارات التي حرفتها زعاماتها الحاليّة عن مساراتها.
المسيرة صعبة ولكنها ليست بمستحيلة، لبنان بلد صغير ويملك طاقات هائلة في الداخل والخارج، وأكثر ما يفيد اعداء الشعب هو عزله أكثر وأكثر عن دول العالم والمحافظة على المفاهيم المنحرفة القائمة.
تكسير السفن البالية والمهترئة هو أساس الانطلاق الى الأمام والتأسيس للمرحلة القادمة على أسس متينة وعلينا التأكيد أن ارتباطنا هو بالقيم وبالمبادئ وليس بزعامات تتاجر بأسماء القادة المؤسسين، وفي كلّ الحالات عنوان علاقتنا معهم مرتبطة بعنوان "تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، وعلينا المضي قدمًا لصناعة المستقبل بدل محاسبة وتربيّة الموتى.
يسعد صباحكم

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم