الثلاثاء - 14 أيار 2024

إعلان

علقم الغربة

المصدر: النهار - ريمون مرهج
هل حرّ المسافات أيبس ورود حبّك أم جليد الزمن جمّد مشاعر روحك؟
هل حرّ المسافات أيبس ورود حبّك أم جليد الزمن جمّد مشاعر روحك؟
A+ A-
هل حرّ المسافات أيبس ورود حبّك أم جليد الزمن جمّد مشاعر روحك؟
هل ما زالت تلك الطفلة المغامرة القويّة البريئة في أعماقك تمرح بين زهور مهجتي وعطور حبّي الكبير أم أن كلّ جنائن روحي اضمحلت وجفّت، فهاجرت تلك الطفلة ورحلت معها كلّ أحلامنا؟
أسئلة تهبّ كالعواصف في صدري، تنهال كالمطر الغزير أحياناً على مشاعل الأمل في فؤادي، ثمّ تسطع كالبرق في ظلمتي القاسية، فتنشر الرعب في فكري، وتشتّته إلى وهاد اليأس والحزن.
أشعر بالبرد، بالوحدة، فارتدي معطف المتشرّد المتسوّل على دروب الحياة. أسير كالكهل منحني الرأس، حاملاً أثقال البؤس والهزيمة، ملطخ الوجه، ممرمغاً بوحل ماديات ونفايات شهوات هذا المجتمع. نظرة الحياة اختفت من بريق عينيّ، فالانكسار ضرب بعصاه أغصان كياني محطّماً أبراج أحلامي وحبّ البقاء في روحي.
أقدامي المتعبة تتوسّلني الركوع والكفّ عن السير بخطوات اللحظات الأخيرة؛ وها أنني استسلمت لطلبها، فألقيت بكياني على قارعة الطريق تاركاً عنكبوت الرّقاد تلفّ بخيوطها كلّ جزء من جسدي ونفسي إلا أن قلبي ما زال ينبض بحبّها، وأنفاسي ما زالت تشهق من أعماق روحها.
مرّت أيام على هذه الحال، ولم يأت مارد الموت ليمسحني عن دروب الحياة ويلقيني في قمامة النهاية؛ لربما كان منهمكاً في أماكن أخرى امتلأت أرصفتها بالأرواح المرمية المحطّمة.
فجأة، أحسست بيد تمسك معصمي المتجمّد، فشعرت بحرارة تدخل إلى شراييني، فجعلت رموش عيني ترتفع وتسمح لنظري أن يثقب جليد الجمود، ويرى وجه ذلك الزائر السّاحر الحنون.
كانت الصورة ضبابية في بادئ الأمر، ولكن نور ابتسامته كان أقوى من وحش الدجى، وفيه نار إيمان وحبّ طاهر. بعد ذلك، تقشّع سحاب الألم من أمام مقلتي، واغتبطت روحي، فصارت نبضات الحياة تراقص الطفل في قلبي، وتدلّل بشغف، لأنها كانت هي.. كانت "ملاك الروح". ارتوى سمعي من همسات إحساسها الصادق ممزوجة بدموع هواها الكبير بعد جفاف طويل الأمد .
تفتّحت براعم القوة والنفس في عروقي، وأزهرت ورود الأمل والغبطة في روحي شباباً وهمّة، فجعلتني انتصب كالرّمح في وجه الشمس، يلمع ويسطع لصلابة معدنه. كالمجنون، كالناجي من خنجر جزار، كلقاء الطفل المرعوب الضائع بوالديه هرعت إليها، أضمّها، أغمرها، ألمس وجهها، أتأمّله، ثم أجذبها إلى قلبي بصمت غلب كلّ عتاب وكلام.
تغلغلت في صدري، تلفّني بذراعيها، وتبلل ثيابي الخرقة بدموعها، مردّدة آهات من روحها: "كيف يحق لك أن تفكّر أنّني رحلت عنك، وأن روحي هجرت أعماقك، ولو أبعدتنا سنون الوحدة، ولو حتى حجبتنا المسافات عن لقاءاتنا.. فنحن روحاً واحدة للأبد اسمها: "أنا هو وهو أنا ...".





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم