الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

بين الإجتثاث والاجترار

المصدر: النهار - عمّار الحيدري
طالما هنالك شعبٌ متحجر الانتماء والحس الأخلاقي وفاقد لأدنى مقومات الأهلية الوطنية، فحتماً ستولد سلطة على شاكلته غير مسؤولة
طالما هنالك شعبٌ متحجر الانتماء والحس الأخلاقي وفاقد لأدنى مقومات الأهلية الوطنية، فحتماً ستولد سلطة على شاكلته غير مسؤولة
A+ A-
طالما هنالك شعبٌ متحجر الانتماء والحس الأخلاقي وفاقد لأدنى مقومات الأهلية الوطنية، فحتماً ستولد سلطة على شاكلته غير مسؤولة، فاسدة، تنهب مقدرات هذا الكيان المسمى "وطناً" كما ستسرق أحلام وتطلعات ومستقبل أبنائه.
الوطن... الذي يرتهن لمرتزقة عابثين بأمنه وقوت شعبه ومستقبل شاباته وشبابه... (فأقم عليه العزاء)...
لأن الأوطان وقودها شعوبها، وعندما يصبح الشعب "ميت سريرياً" فكرياً ومعدوم النخوة... فمن البديهي والطبيعي سيصبح عاجزاً تماماً عن صون وطنه واسترداد حقوقه المكتسبة.
مشكلتنا "كلبنانيين" ليست في نوعية النهج المفروض علينا، بل مشكلتنا المركزية والأساسية "نحن" كمواطنين" متشرذمين فلا نسير على نهج ما... ولا حتى على أي نظام متعارف عليه (سوى أنظمة بالية أحادية الفكر) مثل "فرق تسد" و"من بعد كديشي ما ينبت حشيش" و"الزعيم والطايفة أولاً"، وعلى شاكلتها
"نحن" تناقض غريب يرتكز على مصالح السواد الأعظم منها خاص وشخصي وعلى عُقَد (ندعي زوراً أنها تكليفات شرعية إلهية) وعلى أيديولوجيا فكرية مريضة غير معلنة تقسمنا إلى دويلات فردية وجماعية (مذهبية وعرقية وفكرية ونمطية...) ضمن ما ندعوه "وطناً واحداً".
الوطن نسيج ذو وجهين يكملان ويتكاملان بعضهما البعض، فالأول يشكل زخرفة ألوان المجتمع بتنوع يزيد الوطن غنى باختلافاته المتميزة وليس بخلافه، ويصب هذا الاختلاف (التميز) في مصلحة الوطن، ما يكون تنوعاً فريداً بتعدد الأنماط والأفكار التي بدورها تساعد بانصهارها على توليفة خاصة متفردة من جهة وجامعة منصهرة من جهة أخرى في آن واحد.
أما الوجه الآخر لهذا النسيج فهي تلك (القطبة المخفية) والتي تعلّق الشعب اللبناني، وإن قلت نسبته، بوطنه بشكل عاطفي ووجداني أكثر ما هو انتمائي راسخ ومتجذر بتراب الوطن، بل أصبح مع الوقت والمتغيرات الديموغرافيا والتقسيمات المذهبية والمناطقية وخاصة بعد الحرب الأهلية، يتحول نحو الولاء لأركان متحركة حسب متغيرات وظروف المرحلة مثل الإرتهان والاستقواء بعنصر خارجي لترجيح الكفة داخلياً على حساب بعضنا البعض كأبناء وطن واحد (كما ندّعي)...
على ما يبدو... أننا لم نتعلم الدرس من الماضي، كما لم نستفد من كل السقطات والصفعات التي شربنا علقم كأسها من الحرب المذهبية الأهلية إلى الانتخابات الطائفية الملعونة، ولا زلنا نمعن بل نتفنن بعدم تقبل وبكره الآخر (ليس لشيء بل لأنه يختلف عنك بتميّزه) فقط لا غير.
فعلام نتأمل الخلاص ونحن لا ندرك حقيقة واقعنا من جهة، وقرارة أنفسنا من جهة آخرى، وبالتالي لا نملك على أنفسنا حق الاستدراك والتبصر نحو حقيقتنا المتجردة من كل وهم نعيشه رغم إدراكنا بتزييفه، لكننا نرتضي أن نكذب ونعيش نحن كذبتنا ونتأقلم مع خديعتنا الكبرى التي صنعناها نحن بأنفسنا وكرسناها علينا كأسلوب حياة نمطي نعيشه بشعور متجرد من كل وعي رغم إدراكنا بأننا بهذا النمط ننزلق نحو أتون نار لا تحمد عقباها (الحرب الأهلية).
فالمؤشرات تدل على منزلق خطر جداً يحوم حول لبنان، وهنا نستعرض بعض الأرقام حول ما آلت إليه أوضاع المواطن جراء التدهور الحالي في لبنان (كالبطالة والهجرة... ومعدلات الفقر المرتفعة).
كانت البطالة موجودة في لبنان قبل ثورة 17 تشرين والأزمة الاقتصادية والمالية التي قضت على عدد كبير من الشركات والمؤسسات وقبل جائحة كورونا، لكن ليس بهذه الخطورة التي نشهدها اليوم. وقد جاءت النتائج في التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية على الشكل التالي: "ارتفاع في معدل البطالة في لبنان من 11,4 في المئة في الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29,6 في المئة في كانون الثاني 2022، وهذا يعني أن ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل مطلع هذا العام".
وهذا ما دفع بالكثيرين للهجرة، فقد بلغ عدد المهاجرين حوالي 425 ألف مهاجر في 5 سنوات، حيث يقدّر معدل الهجرة الصافي من لبنان بنحو 20 شخصاً لكل 1000 مقيم. المهاجرون، بغالبيتهم العظمى، هم لبنانيون وليسوا نازحين عادوا إلى بلدانهم، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض فئات العاملين الأجانب في لبنان عادوا إلى بلدانهم بسبب تداعيات الأزمة. لكن ليس هذا وحده ما هو لافت بشأن الأرقام المتوافرة عن الهجرة في لبنان، بل في ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة الذي يشبه إلى حدّ كبير ما حصل خلال الفترة الممتدة بين 1973 و1978، أي بداية الحرب الأهلية. ففي تلك الفترة، ارتفع المعدل الصافي للهجرة من لبنان إلى 22 شخصاً لكل 1000 مقيم، وهو ارتفاع يكاد يكون مماثلاً لما حصل بين منتصف 2017 لغاية منتصف 2022، إنما مع توقعات بأن يصبح المعدل في 2023 نحو 24.5 شخصاً لكل 1000 مقيم.
بالإضافة إلى عوامل أخرى أثرت على الواقع اللبناني كالهندسات المالية والفساد السياسي والإداري وغيرها من الأمور. فقد تفاقم معدل الفقر في لبنان إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74% تقريبًا من مجموع السكان. وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان. وتأتي هذه الدراسة بعد عام من إصدار الإسكوا تقديراتها حول ارتفاع معدّلات الفقر في لبنان في عام 2020، حيث كانت أشارت إلى أن الفقر طال 55% من السكان تقريبًا، بعد أن كان 28% منهم يعانون منه في عام 2019. واليوم، تصدر الإسكوا تحديثًا جديدًا للبيانات، يُقدّر أن نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد قد تضاعفت تقريبًا بين عامي 2019 و2021 من 42% إلى 82%.
إن الواقع المرير لهو سيف ذو حدين، وفي كلتا الحالتين فهو مسلط على رقابنا كلبنانيين مقيمين ومقسمين بتقوقع يجرنا لنهاية مأسوية إن لم ننهض من غفوتنا التي طالت بإجتثاث كل موبقات الطبقة الفاسدة من حكام وشعب على حدٍ سواء، وإلا سنبقى نجتر بتكرار مقيت لحربٍ أهليةٍ ثانية تمحو ما بقي من كيان يسمى "لبنان".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم