الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

مواقع التواصل الاجتماعي... تهديد وحاجة في آن!

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
عبدالله عبدالصمد
 
بات الهاتف الخليوي رفيق اللبناني الدائم، فقد يكون ارتقى تصنيفاً في الأعوام الأخيرة من الكماليات إلى الضروريات، فالميسور والفقير والعامل والعاطل من العمل، جميعهم يطلبونه. قد لا يخلو منه جيب أو حقيبة. في سنّ مبكرة، يبدأ الطفل بمطالبة أهله بالحصول على واحد خاصّ. وهو يتيح الولوج إلى كلّ ما في العالم من مواقع، طالما هو متّصل بشبكة الأنترنت.
 
في لبنان، نسبة مستخدمي الشبكة وصل إلى أكثر من 86 في المئة من عدد السكّان، وتحديداً أربعة ملايين وسبعمئة ألف شخص خلال شهر كانون الثاني 2023، وفقاً لما نشرته منصة DataReportal المتخصصة في دراسة أرقام متصفّحي شبكة الأنترنت ومستخدمي الهواتف حول العالم بتاريخ 13 شباط 2023.
وفق الدراسة ذاتها، جميعهم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى أن الأطفال يتصفّحون هذه المواقع قبل بلوغهم السنّ المحدّدة لكلّ منها؛ وذلك ما يشكّل تهديداً لسلامتهم النفسيّة، وأحياناً الجسدية.
 
وهل لمواقع التواصل الاجتماعي أيادٍ خفيّة تعبث باستقرار الأُسَر؟
تجيبنا الخبيرة في الشؤون الاجتماعية والتربوية سوزان أبو شقرا، فتقول: "باتت منصّات ومواقع التواصل الاجتماعي تشكّل توجّهاً مجتمعيّاً آنيّاً، يشعر مَن يبتعد عنها أنّه معزولٌ عن محيطه، فيلجأ إليها للفوز بمعرفة ما يجري من حوله تماشياً مع المحيط. ثمّ تصبح عادة يوميّة متحكّمة، فيدخل في دوامة الوهم".
ثم تضيف: "بتكويننا البشري، نحن أشخاص نعتنق قانون الامتثال الاجتماعي، وقابلون للتقليد، ونسعى للتشبّه بالآخر. معظم الناس يقبلون ما يقبله الغير خوفاً من التهميش والإهمال، فيلجأون إلى التقليد. ومحاولة التشبه بالآخر تلك تقود العديد من الأشخاص إلى الخروج من ذواتهم الحقيقية، والتصرّف وفق معايير المثالية المصطنعة المطلوبة، ممّا يُسبّب في الأغلب تباعداً في التطلعات بين أفراد الأسرة الواحدة، فينغمس كلٌّ في عالمٍ خاصّ يختاره كما يريد. وهنا مكمن الخطر".
وتتابع أبو شقرا القول "عندما بدأ الناس بخلق عوالمهم الخاصة، بكلّ ما فيها من أصدقاء ومتابعين ومتفاعلين، بات لديهم القدرة على التحكّم بهذه المساحة الوهميّة، فتضخّمت الأنا بشكل مرعب، حتى جعلت لكلّ شخص حيثيّة منفصلة وتوجّهات مغايرة، وأصبح لكلّ فرد من الأسرة أهداف مختلفة، فبدأ الشرخ الأُسريّ الذي تُسبّبه تلك المواقع بالظهور".
 
وتلحظ أبو شقرا: "أن الصور والمواقف والحالات على صفحات المواقع والمنصات، حوّلا الإنسان من التشاركيّة الجماعيّة إلى الفرديّة. فهي تستطيع أن تنقل حالة الشخص، الحزن، الفرح، الخوف، الطمأنينة....لكنها لا تستطيع خلق تبادل عاطفيّ، لأن العاطفة تشارك روحيّ لا يتحقّق إلا بالحضور أو بالمحادثة، فظهرت مشكلة جديدة تمثّلت باختلال الميزان العاطفي".
 
تقول الدكتورة نوال السعداوي في كتابها "المرأة والجنس": "المرأة في المجتمعات المحافظة تطلق العنان لخيالها، وتصنع رجلاً وهمياً، ثمّ تصاب بخيبة أمل كبيرة، إذ تجد أن الحقيقة دائماً أقلّ من الخيال، فيمكننا أن نتصوّر مدى التعاسة التي تعيشها في بداية حياتها الزوجيّة، وقد تصيبها هذه الخيبة بالبرود الدائم".
ينطبق هذا الوصف على ما يحصل اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الظهور المثالي للأشخاص أو المواقف أو الصُوَر، حيث يتم تصوير الحالة بكمال خياليّ، فيعيشها المتلقّي على أنها حقيقة، ثمّ يعود إلى الواقع الذي يحمل الكثير من الشوائب ويقلّ عمّا ارتسم في خياله، فيكرهه وقد يُصيبه باليأس، فيولد خطر جديد، وهو الافتقار إلى الإشباع. والافتقار إلى الإشباع يؤدي إلى ارتباك في العاطفة وضعف في الوجدان.
 
هذا الضعف، يحذّر منه ميشال فوكو في كتابه تاريخ الجنسانية، فيقول: "قد يؤثر ضعف في الوجدان بشكل سلبيّ على مملكة العقل وقد يشلّها تماماً، وقد يؤدي إلى سلوكيات لاعقلانية".
 
لعلّ البحث في الجانب السلبيّ لمنصّات التواصل الاجتماعي كاد يُنسينا الوقوف عند إيجابيّاتها. فلنعرج عليها مع اختصاصية علم النفس الإيجابي خالدة حسن، ثمّ نعود لاستكمال ما فاتنا من محاذير.
تقول خالدة حسن: "خلال الحجر الصحي الذي فرضه انتشار فيروس كورونا، كانت صفحات التواصل الاجتماعي ملاذاً حقيقياً للناس، وفسحة للتواصل وتبادل الأفكار والهموم، وأحياناً النصائح القيّمة. ولا ننسى سرعة الوصول إلى المعلومات، وإغناء الثقافة، والتواصل مع الأصدقاء والأقرباء في جميع أنحاء العالم. فالإيجابيات كثيرة، لكنها تنتقل إلى الخانة السلبية إذا تحوّل الشخص من مشارك إلى مدمن، أو إذا أساء استخدامها. فهناك العديد من حالات الابتزاز والسيطرة التي تؤدي في أغلب الأحيان إلى نتائج كارثية".
 
وتتابع حسن: "أبرز أسباب تلك الآثار السلبية هي: سهولة التواصل، ممّا يتيح فرص إنشاء علاقات غير مضمونة، فقدان الخصوصية، حيث يدخل من يريد إلى حياة الآخر بكلّ سهولة ومن دون استئذان. وقد لاحظنا أن العديد من الأسر تعاني من مشكلات بسبب الانفتاح غير المنضبط على وسائل التواصل الاجتماعي".
وتضيف: "إن أخطارها تتعدّى المجتمعات المحافظة، فلكلّ مجتمع خصوصيّة، أو خصوصيّات، قد انتُهكت، فأثَّرت سلباً في أماكن عديدة. وأكثر من تضرّر هم الأطفال دون سن المراهقة بسبب عدم الوعي الكافي لاستشعار الخطر قبل حدوثه".
نسألها: "ما هو الحلّ للحدّ من تأثير منصّات التواصل الاجتماعي على سلامة الأسرة؟".
فتجيب: "على صعيد الدولة ككلّ، الحلّ هو بحملات توعية تنظّمها أو ترعاها الحكومة. أما على صعيد كلّ أسرة، فالوعي والتنبّه والثقافة، بالإضافة إلى الغيرة الإيجابية بين الزوجين هي عوامل أساسيّة تحدّ من انغماس أحدهما في لعبة التواصل الاجتماعي الإلكتروني، شرط ألا تتحوّل إلى غيرة مرضيّة مؤذية. ويبقى الأهم، مراقبة الأطفال وتوجيههم".
ثم نعود إلى أبو شقرا، ونسألها السؤال ذاته، فتجيب: "تلك المواقع والمنصّات نقلت إلينا مفاهيم اجتماعية لا تتوافق مع مفاهيمنا الاجتماعية. النقاش ليس بخطئها أو بصوابيتها، إنما بعدم توافقها مع المفاهيم السائدة؛ فنحن، كدول عربية، نختلف عن الدول الغربية. فالأخيرة قرَّرت، وأنظمتها عبّرت عنها بأنّها مجتمعات تقوم على الفرد لا على العائلة، في حين يقوم مجتمعنا على العائلة. إذن، نحن نستهلك التغيير من دون تعديل في مفاهيمنا الاجتماعية. فقبل أن نتحدَّث عن الحلول، علينا أن نسأل: أي مجتمع نريد؟".
ختاماً، يقول الدكتور خالد غطاس: "يمكن للحلم أن يكون نقطة ضعف، ويمكن التحكّم بالناس من خلال أحلامهم". فدعونا لا نترك أحلامنا في مهب الريح.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم