الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

قطار المصالحة الخليجية ومحطة طهران

د. خالد محمد باطرفي
عرض عسكري في ذكرى اغتيال سليماني (أ ف ب).
عرض عسكري في ذكرى اغتيال سليماني (أ ف ب).
A+ A-
سألني مذيع "روسيا اليوم" عن موقف السعودية من دعوة وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف الى الحوار واليد الممدودة للسلام. ونقل اليّ تساؤل ضيف الحلقة الإيراني، فادي السيد، رئيس مركز الأمة الواحدة للدراسات في طهران: "كيف تقود الرياض قطار المصالحة الخليجية العربية ثم تأبى أن تتوقف في محطة طهران؟".
 
أجبته بما خلاصته أن اليد التي تمتد للسلام لا تحمل البارود، ولا تغتسل بالدماء. وعندما قبلت الكويت هذه اليد، وبعد أن زار أميرها الراحل الشيخ جابر الصباح طهران، جاء ظريف باليد ذاتها الى الكويت. وبعد مغادرته اكتشف أمنها خلية العبدلي (2015) بإشراف السفارة الإيرانية وتمويلها وتدريب "حزب الله" وإدارته، وفيها من المتفجرات ما يكفي لتدمير يفوق ما دمره صدام حسين. وهرب المتآمرون الى السفارة التي أمنت اخراجهم الى إيران ولبنان.
 
اليد التي تصافحك بعد أن أخفت بودرة المتفجرات في حقائب حجاجها في طريقهم الى أقدس المشاعر الإسلامية، وأكبر تجمع للمسلمين، هي اليد نفسها التي امتدت بالأمس بعد أن فجرت أبراج الخبر، وتمتد اليوم بعد أن لغمت الممرات المائية وهاجمت المنشآت النفطية وأطلقت مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وآلاف القذائف على الآمنين المسالمين في مدنهم وقراهم، وعلى مطار وميناء جدة الإسلامي الذي يصل عبره ملايين الحجاج والمعتمرين. مثل هذه اليد تستحق القطع والردع لا التصديق والترحيب.
 
إيران تتصرف كثورة لا كدولة، كعصابة مارقة لا كنظام دولي، كمافيا عابرة للحدود مصدرة للثورة والفتن وموقدة لنيران الحروب. وظريف نفسه يروي كيف أنه أرسل الى الأمير سعود الفيصل يطلب منه استضافته والجنرال قاسم سليماني في الرياض لمناقشة قضايا العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكيف أن رد الفيصل كان حازماً وواضحاً ومختصراً في سطر واحد: لا علاقة لإيران بشؤون العرب.
 
كان الضيف الإيراني، السيد فادي، ما زال مصراً على أن السعودية ترفض السلام، ولكنه لم يكذب شيئاً مما قلت، فكله وأكثر منه موثق في سجلات التاريخ الحديث، بالصوت والصورة. وأشكر له أنه لم يكلفني عناء الجدل حول صحته. ودعوات ظريف الى الحوار والسلام لا تزال تنشر بين حين وآخر، وبخاصة عندما يضيق على إيران الخناق، وبين سطورها اتهام لدول الخليج بتكديس السلاح بالمليارات على حساب مصالح الشعوب وأمن المنطقة.
 
وفي الوقت نفسه، يصرح ثيران الحرس بأن آبار النفط السعودية في المنطقة الشرقية على مرمى حجر من صواريخهم، ويؤكد المرشد الأعلى آية الله علي خامئني، أن ايران ستواصل دعم "الاصدقاء" بالمال والسلاح للدفاع عن أنفسهم ضد الصهيونية العالمية والاستكبار الاميركي والمتخاذلين العرب. ولا تزال مليارات الدولارات من خيرات ايران تنفق على تطوير أسلحة الدمار الشامل ونشرها، فيما يتقلب الشعب الإيراني الشقيق بين نيران الجوع والفقر والجهل والمرض. وذكرت الضيف الايراني بشعار المتظاهرين: "لا غزة ولا لبنان ... روحي فدا إيران"، وبوباء كورونا الذي أصاب الملايين وحصد مئات الاآلوف من الأرواح الطاهرة، وبمعدلات البطالة التي تجاوزت ثلث القوى العاملة، وبالكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات التي لا تجد الحكومة ما تقدمه لضحاياها الا الفتاوى والدعاء.
 
وتساءلت اذا كانت إيران تصر على دعم الشعوب المستضعفة في بلدان أحوالها أفضل بكثير من حالها، فلماذا لا تبدأ بشعبها؟ وإذا كان ذلك من حقها فلماذا لا يكون من حقنا نحن أيضاً أن ندعم المستضعفين في الأحواز، الدولة العربية التي احتلتها إيران الشاهنشاهية عام 1928، وفي بلوشستان وأذربيجان وكردستان، وأن ندعم المعارضة في فارس نفسها بالسلاح والمال لمواجهة استكبار جمهورية الملالي المتحالفة مع الملاحدة في روسيا والصين وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا، والمتعاقدة مع إسرائيل لتزويدها بالسلاح الذي قتلت به عرب العراق؟ أليس من واجب الدول الأخرى أن تصدر الثورة ايضاً الى بلاد تصدير الثورات؟ وماذا سيكون موقفها عندما تُضرب طهران وأصفهان وقم وشيراز، ومطاراتها وموانئها، وآبار نفطها ومجمعاتها الصناعية والمدنية، بنيران الإرهاب والصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة؟
 
رد الضيف الإيراني بأن إيران لم تدخل العالم العربي الا لتملأ فراغاً خلّفه قصور الأنظمة العربية وفشلها في حماية شعوبها من المؤامرة الكونية ضدها، ولمواجهة الكيان الصهيوني وتحرير القدس بعد أن عجز العرب. فرددت عليه بأن إسرائيل اليوم على حدودكم الغربية في سوريا وعلى "مرمى حجر" من صواريخكم وطائراتكم وفيالقكم وجيوش التحرير من شيعة العالم، وحلفائكم العرب. ما الذي يؤخركم؟ إسرائيل تضربكم كل يوم، في بلاد الشام وداخل أرضكم، ولن يلومكم أحد لو رددتم عليها. هذه فرصتكم لتحقيق وعدكم ووعيدكم الذي تجهزون له منذ اربعين عاماً، والذي احتللتم ودمرتم في طريقكم اليه حواضر العرب من بغداد والموصل الى دمشق وحلب، ومن بيروت وصيدا الى صنعاء وصعدة. أطلقوا مع صرختكم "الموت لأميركا واللعنة على اليهود" الصاروخ والمدفع، واثبتوا للعرب والمسلمين أن تضحياتهم تحت نيرانكم لم تذهب سدى.
 
لم يجب الضيف، فأجبت عنه بأن السبب بسيط، أنكم تهددون إسرائيل وتجيشون لحربها تحت راياتكم من 54 محطة تلفزيونية تبث من حيفا باللغة العربية. وأن ناركم محرمة على جلود اليهود حلال على العرب والمسلمين. وأن صواريخكم مخصصة لأرض الرسالة ومهد النبوة وبلاد الحرمين، فحسب.
 
انتهى الحوار على الشاشة، ولم تتوقف دعوات السيد الظريف على حسابه في تويتر وفي بيانات وزارته وتصريحاته الصحافية. ولا أجد أفضل رد عليه من التصريحات المناقضة من سيده الأعلى وثيران الحرس وملالي السلطة. أما من الرياض، بيت العرب، فعليه أن يعود الى برقية الأمير سعود الفيصل، ففيها من التوضيح ما يكفي ويزيد.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم