الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

هل حان وقت طيّ صفحة "النظام العالمي القديم"؟

المصدر: "النهار"
مشهد عام من اوكرانيا (أ ف ب)
مشهد عام من اوكرانيا (أ ف ب)
A+ A-
خليل عجمي
 
إذا كانت جائحة "كوفيد 19" قد أحدثت تصدّعات في الترابط الاقتصاديّ بين الدول، فإنّ الحرب الأوكرانيّة زادت من هذه التصدّعات، وأدّت إلى أزمة كبيرة في الإمدادات الغذائيّة، الأمر الذي بدأ يثير شكوكاً، حول مصير "العولمة" بشكلها الراهن، وقد يفرز نمطاً جديداً من "نظام عالميّ" غير واضح المعالم بعد.
 
وإذا كانت تجربة "التباعُد الاجتماعيّ" التي فرضها واقع الوباء، حملت الدول على وضع خيار "الاكتفاء الذاتيّ" في سلّم أولويّاتها.. إلّا أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا سلّطت الضوء أكثر على إمكانيّة تفكّك أسواق السلع المترابطة عالميّاً، ما ينذر بملامح خارطة تحالفات جديدة لعالم ما بعد الحرب... لكن ربما من المُبكر الوصول إلى أجوبة واضحة، في انتظار "اكتمال صورة ما بعد المشهد الأخير".
 
وُيشار إلى أنّ روسيا وأوكرانيا هما من كبار منتجي ومصدّري الغذاء العالميّين، حيث تُعد روسيا من المورّدين الرئيسيّين للطاقة، لاسيّما إلى أوروبا، وأكبر مصدر للقمح، ومن أكبر منتجي الأسمدة في العالم، فيما تأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة، بالإضافة إلى استحواذ البلدين على نسبة كبيرة من سوق تصدير زيت دوّار الشمس إلى العالم.
 
وفي هذا السياق، يرى خبراء أنّ الحرب في أوكرانيا المقترنة بجائحة كورونا، تشير إلى أنّ العالم يقترب من نقطة تحوّل نحو حقبة "لا عولمة"، ما يثير تساؤلات حول شكل العالم الجديد.
 
الخبير الاقتصاديّ في مؤسّسة "برتلسمان" الألمانيّة ثيس بيترسن، وتعليقاً على الحرب الأوكرانيّة، قال: "تعرّضنا إلى نقص في الطاقة، لأنّ أوروبا بحاجة إلى الوقود الأحفوريّ الآتي من روسيا، فيما يحتاج العالم بأسره إلى الصادرات الزراعيّة من روسيا وأوكرانيا"، محذّراً من نهاية "عصر العولمة"، وقال: "ربما نكون الآن في بداية نوع من تفكّك العولمة"، ومشيراً إلى "الركود الكبير، والإجراءات الاقتصاديّة الحمائيّة، وإعادة هيكلة سلسلة التوريد بسبب الوباء، فضلاً عن تفكّك أسواق السلع المترابطة جرّاء حرب أوكرانيا".
 
أمّا النخب السياسيّة والفكريّة في واشنطن، فترى أنّ السؤال يتمحور حول "مستقبل النظام الدوليّ"، وفق ما أوضحت أسبوعيّة التيّار الليبراليّ، "ذي نيشن"، في عددها الصادر في 31 آذار الماضي، مشيرة إلى أنّه "حتماً سيكون مختلفاً عن استقرار مخادع ساد في العقود الأخيرة". واعتبرت أنّ "حرب روسيا في أوكرانيا حطّمت النظام العالميّ القديم"، محذّرةً من دور الصين في النظام العالميّ الذي "لا يزال غير واضح بعد".
 
وتوصّلت أيضاً، نخب دوائر صنع القرار في واشنطن إلى نتائج موازية، وأضحى خطابها مبنيّاً على "إجراء مساومة مع (الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين)، لأنّها أفضل خيار متوافر لأميركا"، وفق ما أوردته نشرتها "فورين أفيرز" في 30 آذار، وذلك بعد ترويج لـ"ردع غازيّ، ورفع سقف كلفة أيّ عمليّة عسكريّة، وتوجيه تهديدات بمزيد من العقوبات الاقتصاديّة".
 
أمّا النخب الماليّة والمصرفيّة الأميركيّة، فقد سبقت نظراءها في مراكز الأبحاث، بجزمها "موت دوّامة العولمة"، حيث حذّرت إحدى كبريات شركات الصيرفة والاستثمارات، "بلاك روك" الأميركيّة، والتي تملك صندوق احتياط يقدّر بـ 10 تريليونات دولار، مساهميها، في رسالة واضحة في 24 آذار الماضي، قال فيها رئيس الشركة لاري فينك، إنّ "الغزو الروسيّ لأوكرانيا، أطاح العولمة كما نعرفها"، مشيراً إلى أنّ الحرب مثّلت "القشّة التي قصمت ظهر العولمة، نتيجة للعقوبات الاقتصاديّة التي أسفرت عن عزل روسيا عن السوق العالميّة".
 
في ظلّ سباق محموم بين دول العالم على التكيّف مع الحرب الأوروبيّة الكبرى، والسعي لتوفير حاجيّاتها من مصادر الطاقة والغذاء، ما ينذر بحرب تجاريّة عالميّة طاحنة، يمكن أن تذهب ضحيّتها دول وشعوب فقيرة... واقع يفرض نفسه بقوة في ظلّ قدرة أوروبا في البعدين الأمنيّ والاستراتيجيّ، ومن خلفها الولايات المتّحدة، على تحمّل تداعيات انخراطها في حرب "جديدة" على حدودها، وليس في مناطق نائية عن رفاهية شعوبها، إذا ما أضيفَ عامل اعتمادها على مصادر الطاقة الروسيّة والتبادل التجاريّ العالمي معها، إلى رغبتها في "حرب طويلة الأجل" من أجل استنزاف روسيا، في ظلّ تناقض بنيويّ في معادلة التمنّيات تلك.
 
دعم واشنطن لمعارضة أوكرانيّة، يستدعي تحلّيها بالصبر وديمومة الدعم "طوال أعوام، وربما عقود عدّة متواصلة"، قبل أن تؤتي ثمارها، مع ما ستلجأ إليه روسيا من قصف لقواعد الإمداد الخلفيّة في بولندا ورومانيا، وما سينطوي على ذلك من انزلاق الحرب، يسعى إليها "صنّاع القرار في واشنطن بهدف إطالة أمدها إلى أقصى مدى، علّها تؤدّي إلى إطاحة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين" على حدّ تعبير العقيد المتقاعد في الجيش الأميركيّ دوغلاس ماكغريغر.
 
بالنسبة إلى بوتين، كان انضمام أوكرانيا وما زال إلى الناتو، "يشكّل خطاً أحمرَ"، وكان وزير الخارجيّة الأسبق هنري كيسنجر أيّده في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في آذار 2014، بعنوان "كيف ستنتهي أزمة أوكرانيا"، وقال إنّ "أوكرانيا كانت جزءاً من روسيا منذ عقود. ويجب ألّا تنضمّ إلى حلف الناتو، بل عليها انتهاج مسار "حياديّ" قريب من النموذج الفنلنديّ".
 
تضاريس المشهد العالميّ الوليد، جرّاء حرب أوكرانيا، تنبئ ببروز مشهد عالميّ جديد، وإجماع النخب الأميركيّة على تراجع سيطرة الولايات المتّحدة وهيمنتها، نتيجة بلورة قناعات قاسية لديها تفيد بأنّ استمرار "الأحاديّة القطبيّة يستدعي مناخات لامتناهية من العنف، وتصعيداً مستمراً للّعب على حافة هاوية نوويّة"، واستناداً أيضاً إلى حقائق التاريخ البشريّ برمّته، بأنّ سيطرة القطب الواحد لم يشهدها التاريخ مطلقاً، باستثناء "العقود الثلاثة الماضية".
 
فهل تنبئ صورة "الصراع الجيوسياسيّ" ببروز تعدّد القطبيّة؟
الإجابات تبقى رهن التطوّرات.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم