الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

السعودية والعرب بين شروق الصين وغروب أميركا

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن (أرشيفية- "أ.ف.ب").
الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن (أرشيفية- "أ.ف.ب").
A+ A-
كان الحوار على قناة بريطانية حول العلاقات السعودية - الأميركية والسعودية - الصينية، وكان الضيف الأميركي، وهو مسؤول سابق في الخارجية، يتحدّث عن التحالف الاستراتيجي بين بلاده والمملكة، الذي تأسّس في لقاء الرئيس الراحل روزفلت مع الملك المؤسّس عبدالعزيز على ظهر الطراد الأميركيّ كوينزي عام ١٩٤٥.
 
شراكة لا تحالف
تحدّثتُ بدوري عن الشراكة الاقتصادية والأمنية المميّزة التي تربط البلدين. وبالرغم من تراجعها في السنوات الأخيرة أمام تقدم الشراكة السعودية مع الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، فإنّها تبقى قوية، ومهمة، وعصيّة على التجاوز.
 
حاول المذيع أن يصحّح مصطلح الشراكة وينبهني إلى أن ما بين الرياض وواشنطن يرقى إلى مستوى الحلف الاستراتيجي، ولا يقارن بأيّ شراكة أو تحالف مع أيّ دولة أخرى، فأوضحت بأنني أقصد بالضبط ما قلت، واستشهدت بالاجتماع الأخير الذي جمع وزير الخارجية الأميركي بلينكن بنظرائه في دول الخليج، تحت مسمّى "الشراكة الاستراتجية" لا "الحلف الاستراتيجي".

تقدُّم الصين
أما مستوى الشراكة فالأرقام والحقائق تظهر أن الصين، لا أميركا، ولا أوروبا، هي أكبر مستورد للنفط الخليجي، وأكبر شريك تجاري للسعودية وأشقائها. وحتى على مستوى التعاون العسكري والأمني والتقني والصناعي والعلمي، فالصين تتقدّم بسرعة فيما تتباطأ أميركا والغرب. وهي تقوم بذلك من دون تردّد أو شروط أو عُقد، فنَقْل التقنية، وتبادل المعرفة، وتوفير الاحتياجات العسكرية والصناعية يتمّ بكلّ أريحيّة وثقة وحسن ظن.
 
يكفي في هذا الصدد أن نشير إلى مساهمة الصين الفعّالة في مشروعات "نيوم"، والمدينة الصناعية الكبرى في جيزان، والمجمعات الأخرى في المدن الصناعية الأخرى، وآخرها عقد الشراكة في تطوير وتصميم وصناعة السيارات الكهربائية، في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، شمال مدينة جدة، واتفاقيات طريق الحرير والطوق البحريّ التي تستفيد من موقع السعودية الجغرافيّ بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا.
 
تراجع أميركا
في المقابل، تعرقل السياسات الأميركية أي تعاون مماثل، وتضع شروطاً تعجيزية في المشاريع الصناعية والتقنية، وتتردّد في القبول بشرط التوطين للصفقات العسكرية، وتوقف التعاون كلّما أرادت الضغط سياسياً على الرياض لتحقيق أجنداتها في المنطقة والعالم، بل يصل الأمر إلى تعطيل عقود قائمة ومدفوعة، كما فعل الرئيس باراك أوباما في صفقات مقاتلات أف ١٥، وكرّرها الرئيس بايدن مع صواريخ باتريوت والأسلحة والذخائر الهجومية.
 
قلت له: "إن السعودية لم تخفض العلاقة من حلف إلى شراكة، بل أميركا التي فعلت عندما أخلّت بشروط هذا التحالف. وأنا كمواطن سعودي لن أنس كيف سحب البنتاغون بطاريات باتريوت في الوقت الذي كانت صواريخ الحوثيّ الإيرانية تهطل على مدننا ومناطقنا الحيويّة؛ وكيف أبت أميركا الرد على الهجمات الإيرانية ضد منشآتنا النفطية في شرق المملكة؛ وسمحت باختطاف ومهاجمة حاملات النفط والسفن التجارية في الخليج العربي. تمّ ذلك في عهدين ديمقراطيّ وجمهوريّ، لا فرق".
 
الطلاق المفيد
وعليه، فقد أصبحت اتفاقية النفط مقابل الأمن لاغية، وتجاوزها الزمن. فلا أميركا بحاجة إلى نفطنا، ولا نحن بحاجة إلى أمنها؛ والسلاح الذي يتعذّر علينا شراؤه بحرّ مالنا من مصانعها، يُمكننا شراؤه أرخص مع التوطين ونقل التنقية من غيرها؛ وأبناؤنا أثبتوا كفاءتهم العالية في إدارة المنظومات الدفاعية والأمنية.
 
وأدهشنا خبراء الدفاع الأميركي عندما استخدمنا طائرات آلاف ١٥ في إسقاط الصواريخ البالستية في الفضاء الأدنى. وارهق طيارونا منافسيهم في جولات التدريبات والمناورات المشتركة.
 
وبالعكس، فإن انفصال سياستنا الدولية عن السياسة والمواقف الأميركية ساعدنا على إطفاء الحرائق في المنطقة، وعلى تصفير مشكلاتها. وقطار السلام الذي انطلق في العلا بالمصالحة الخليجية مرّ بمحطات عديدة، آخرها في أنقره وطهران وصنعاء ودمشق. وبالتالي، لم تعد هناك تهديدات لأمننا القوميّ لا نقوى على مواجهتها وحدنا، وبالشراكة مع أشقائنا وأصدقائنا حول العالم.
 
الحياد الإيجابي والمصالح العربيّة
مؤتمر الأعمال العربي - الصيني عقد في الرياض بعد أيام من الاجتماع الخليجي - الأميركي، وبعد أسبوعين من قمة عربية حضرها الرئيس الأوكراني والرئيس السوري. وتخلل هذا وذاك لقاءات مع المسئولين الروس: (مع زير الخارجية في افريقيا الجنوبية، ومع وزير الداخلية في الرياض)، ومكالمة طويلة بين الرئيس بوتين وولي العهد السعودي.
 
الرسالة كانت واضحة منذ رفضت الرياض مطالبة الرئيس الأميركي على هامش قمة الأمن والتنمية بجدة السنة الماضية قطع العلاقات السعودية مع روسيا، ومنع تحليق طائراتها في الأجواء الإماراتية والسعودية والمصرية، وإخراجها من تحالف أوبك بلس، والدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا، وزيادة إنتاج النفط لتخفيض سعره للناخب الأميركي.
 
قالت السعودية، وقال الخليجيون، وقال العرب وقتها، وقبلها وبعدها، إن خيارهم هو الحياد الإيجابي، ومصلحتهم فوق كلّ اعتبار، وتعاملهم "خذ وهات"، وعلاقتهم شراكة استراتيجية تخدم كلّ الأطراف، وليس حلفاً يستفيد منه الطرف الأقوى على حساب مصالح حلفائه.
 
نديّة... سيادة... مصالح
الندية والسيادة وتبادل المصالح هي شعار المرحلة الحالية في العلاقات السعودية والعربية مع العالم. وزمن الوصاية والإملاءات والتدخل والاستشراف ولّى. وعلى أميركا اليوم أن تستيقظ على الواقع الجديد، وأن تنزل عن صهوة حصانها العالي ومنبرها المتعالي لتخاطب الآخرين بواقعية بعيداً عن الشعاراتية والأخلاقيات المزيّفة؛ فلا هي القدوة في حقوق الإنسان، ولا المثل في الحرية والمساواة والعدالة، ولا البريئة من الجرائم ضد البشرية.
 
ولتشارك بنجاح في السباق نحو مستقبل تتعدّد فيه الأقطاب والخيارات والشراكات، عليها أن تتعامل بواقعية التاجر لا عنهجيّة المستعمر، وتواضع المستفيد لا أنفة المنّان؛ وأن تتجاوز المرحلة التي وصفها رئيس أفريقي، الصين تأتي لنا بمطار، وأميركا تلقي علينا محاضرة. فالساحة باتت أكبر، والمنافسة أشدّ… والعيال كبرت!
 
@kbatarfi
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم