الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

استهتار زيلينسكي يخدم الآلة الدعائية لبوتين

المصدر: النهار
هادي جان بو شعيا
فوليديمير زيلينسكي (أ ف ب).
فوليديمير زيلينسكي (أ ف ب).
A+ A-
 
 
 
 
مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا تتّضح صحة الانتقادات اللاذعة التي أشارت، في غير مناسبة، الى عدم جدوى سياسة "التغيير من خلال التجارة" التي اتبعتها ألمانيا مع روسيا في خلال فترة ولاية المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، لكنها ليست وحدها من تحمل وزر هذه الأخطاء المتراكمة بل جيل كامل من الساسة الألمان.
 
في وقت تحمّل فيه الحكومة الأوكرانية الجنود الروس مسؤولية حمامات الدم التي غرق فيها الضحايا المدنيون في مدينة بوتشا، وجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتهاماتٍ خطيرةً لميركل أيضًا، بعدما دعاها لزيارة مدينة بوتشا لترى "ما أدت إليه سياسة تقديم التنازلات لروسيا خلال 14 عاماً".
 
من باب التذكير فقط، أنه قبل 14 عاماً، وتحديدًا في خلال قمة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" التي عُقدت في بوخارست، سعى كلّ من ميركل والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي إلى عدم توجيه دعوة لأوكرانيا للانضمام إلى "الناتو" حتى لا تستفز روسيا، الأمر الذي يصفه زيلينسكي اليوم بـ"سوء تقدير". ولهذا السبب تعيش أوكرانيا الآن "أسوأ حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية" بحسب وصفه.
 
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014، استبعدت حكومة ميركل تسليم شحنات أسلحة إلى أوكرانيا. بعد ذلك بوقت قصير، وافقت على خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2" أو "السيل الشمالي 2" عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا وتجاوز أوكرانيا باعتبارها دولة عبور للغاز.
 
ما يستوجب طرح السؤال التالي: كيف يجب ألا تفهم موسكو ذلك بأنه قبول ضمني بتغيير الحدود بالقوة؟
 
من جهته، خاطب رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيكي ميركل مباشرة: "السيدة المستشارة، تلتزمين الصمت منذ بداية الحرب. إن سياسة ألمانيا بالتحديد على مدى السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية هي التي أدت إلى امتلاك روسيا الآن قوة قائمة على احتكار بيع المواد الخام ". وقال مورافيكي إن ألمانيا في عهد المستشار، أولاف شولتز، تمنع الاتحاد الأوروبي من فرض العقوبات الأشدّ حزمًا.
 
وفي أحدث تطوّر في سياق العلاقات الألمانية-الأوكرانية، أراد الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير زيارة كييف لإظهار التضامن مع أوكرانيا، غير أن كييف رفضت زيارته بل حظرتها، واعتبرته شخصًا غير مرغوب فيه. ورغم أن ذلك القرار "مفهوم" لكنه "خاطئ" في آن معًا، فضلاً عن كونه يصبّ في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذ تشير المعلومات الى أنه عندما سافر الرئيس الألماني شتاينماير إلى وارسو يوم الثلاثاء 12 نيسان/أبريل 2022، لم يكن الرأي العام يعرف شيئاً عن زيارة أخرى كان من المقرر أن تتم في "غاية السرية" لتكون ملحقة بتلك الزيارة، حيث كان الرئيس البولندي أندريه دودا يعمل على ترتيب زيارة مشتركة على أعلى المستويات لبضعة أيام، وكان من المقرر أن يذهب خمسة رؤساء معاً إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي. ولو سار كل شيء وفق الخطة، لكانت مجموعة الرؤساء في طريقها إلى كييف. لكن فجأة أخذت الأحداث في وارسو منعطفاً آخر.
 
لكن يجب التنويه بانعطافة أو "زلّة قدم" قام بها شتاينماير، إثر تجنّبه، بشكل مفاجئ، الأسئلة في المؤتمر الصحافي الذي جمعه بدودا، الأمر الذي أثار شكوكًا أن هناك شيئاً لا يسير على ما يرام. وبعدها ببضع دقائق انفجرت القنبلة! فقد عنونت أكبر صحيفة شعبية ألمانية في خبر عاجل: "زيلينسكي يصدر للرئيس الاتحادي شتاينماير حظراً إلى أوكرانيا!". وبعد ذلك بوقت قصير، وقف شتاينماير أمام الكاميرات وقال في تصريح مقتضب إن زميله وصديقه الرئيس البولندي دودا اقترح عليه القيام بزيارة إلى كييف مع رؤساء دول البلطيق من أجل "إرسال إشارة قوية للتضامن مع أوكرانيا"، وأضاف: "كنت مستعداً لذلك، لكن من الواضح، ويجب أن آخذ ذلك بعين الاعتبار، أن ذلك لم يكن مرغوباً فيه في كييف".
 
ورغم أنه عرض ذلك بشكل موضوعي، إلا أن القلق الشخصي للرئيس الاتحادي كان واضحاً، خصوصًا أنه هو الذي كان ينشغل بأوكرانيا بشكل مكثف لسنوات، ويجب أن يسأل نفسه الآن كيف حدث هذا وتلاشت جهوده؟ لم يكن هناك تفسير لسبب الإلغاء. لكن هناك تكهنات كافية حول ذلك الآن. وعلى الرغم من أن جميع الأسباب قد يكون لها ما يبرّرها، إلا أن كلها لن تتمكن من تشتيت الانتباه حول مدى خطأ (قرار) الإلغاء!
 
صحيح أن قرار الرفض قد يكون، على المدى القصير، بمثابة تنفيس لإحباط كييف ويأسها من ألمانيا ودور شتاينماير على وجه الخصوص، الذي حافظ على علاقات وثيقة مع موسكو لسنوات ولم يأخذ التحذيرات من التهديد الروسي لأوروبا الشرقية، وخصوصًا لأوكرانيا على محمل الجد. بل دعم شتاينماير خطوط أنابيب نورد ستريم، وبصفته وزير خارجية ميركل في عام 2008، شارك في رفض ألمانيا لعضوية أوكرانيا في الناتو. وعليه يمكن الإقرار أن قائمة الإحباط في كييف طويلة ومبررة. وقد اعترف شتاينماير مؤخراً بنفسه بارتكاب أخطاء.
 
لكن على ما يبدو، لم يميّز الرئيس الألماني المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي كثيراً بين النية والنتيجة. ومن هذا المنطلق، لا ينبغي أن يستغربنّ أحد من أن دور ألمانيا تجاه أوكرانيا، فضلاً عن الموارد المالية الهائلة في السنوات الأخيرة، تم نسيانه إذا جاز التعبير. صحيح أن السياسيين الألمان تصرفوا بسذاجة وغطرسة، ويحتاج بعضهم أيضاً إلى حقبة جديدة في السياسة الخارجية وفهم أكبر لشرق أوروبا وأقل لروسيا. غير أنه لا يمكن اتهام شتاينماير بإضماره نوايا سيئة.
 
بيد أنه، ولسوء الحظ، تضاعف إحباط الماضي الآن بوجود أخطاء جديدة: إذ لم يقم المستشار الألماني شولتس بالزيارة التي طال انتظارها إلى كييف، فضلاً عن عدم تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، ناهيك عن عرقلة العقوبات على روسيا. فإذا كان شولتس لا يريد أن يأتي ويساعد، فلماذا يستقبل زيلينسكي الرئيس الممثل لألمانيا في منطقة الحرب؟ من الواضح أن رئيس بلد يكافح من أجل البقاء يحتاج إلى قرارات وأفعال وليس إلى إشارات رمزية. كما أنه لا يريد أن يلعب دور الكومبارس. كل هذه الاعتبارات مفهومة إلى حد ما.
 
وعلى الرغم من ذلك، فإن قرار رفض زيارة شتاينماير وحظرها ينطوي على رؤية قصيرة النظر ومدمّرة سياسياً، ودونها لامبالاة فادحة إذا ما نظرنا إلى المستقبل. ذلك أن يتصرف المرء إن كان على حق فإنه لا يعني إطلاقًا أنه يفعل الشيء الصحيح. ولعلّ اعلانها أن شتاينماير غير مرغوب فيه، فإن الحكومة الأوكرانية تخطئ الهدف لأنها تقوّض الجسور أو ما تبقّى منها. ما ينسحب بدوره على شولتس، الذي لن يسافر الآن إلى كييف، انطلاقًا من احترامه لأعلى منصب في البلاد الذي يحتم عليه ذلك. وتأثير ذلك (أي رفض الزيارة) في صباح اليوم التالي في أوكرانيا قد يكون كبيراً. وفي حقيقة الأمر، أن استمرار الرؤساء الأربعة الآخرين زيارة أوكرانيا لا يغير شيئاً. وهذا يوضح فقط بل يكرّس التصدّعات التي أصابت الصف الأوروبي والتي لا يحتاجها أحد في الوقت الراهن.
 
في نهاية المطاف، استهتار زيلينسكي يهدّد التعاطف الداخلي الكبير مع أوكرانيا في ألمانيا وقد يطيح به، لكن الحكومة الألمانية تحتاج بدورها إلى هذا التعاطف إذا ما أرادت أن تظل قوية ومستقرة محلياً من أجل الاستمرار في المساعدة في المستقبل؛ فألمانيا المنقسمة لا تساعد أحداً أم على العكس تمامًا؟
 
أمام هذا التساؤل هناك شخصية جدلية متمثلة ببوتين تقتنص الفرصة وتلعب بأوراق التناقضات الأوروبية-الاوروبية بشكل غير متوقع، خصوصًا أنه يحتاج إلى مادة جديدة تغني آلته الدعائية كل يوم. فيما يبدو أن زيلينسكي قدّم لطاغيته، وعلى طبق من ذهب، كل شيء!
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم