الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

عودة سوريا إلى الحاضنة العربية ... ما لها وما عليها!

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
من اجتماع وزراء خارجية جامعة الدول العربية في القاهرة في 7 أيار 2023 (أ ف ب).
من اجتماع وزراء خارجية جامعة الدول العربية في القاهرة في 7 أيار 2023 (أ ف ب).
A+ A-
لم تكن عودة سوريا أوّل حالة عودة إلى الجامعة العربية، فقد سبقتها بأربعة عقود عودة مصر، ومقرّ الجامعة نفسه، إلى القاهرة.  
 
وفي كلتا الحالتين، كان الخروج نتيجة لخروج حاكم بلد عربي على الإجماع القومي، وعودته بمصالحة تتجاوز عمّا لا عودة عنه، وتقفز من دائرة المشكلة إلى دائرة الحلّ؛ ولأسباب أهمّها تبدّلات كبرى، وتحدّيات جديدة، ومهدّدات أزليّة للأمن القومي.
 
تباعدت مصر من إسرائيل واقتربت من العرب، واقتربت إيران من العرب، وخفّفت من حضورها في سوريا، وسمحت للأشقاء بحلّ معضلاتها. وفي كلّ حالة، لم يقطع بلد علاقته أو يلغي اتفاقياته أو يمسح صفحته مع الطرف المتسبّب بأزمته مع العرب.
 
ساعة المصالحة
التوقيت هو نصف السياسة، وبيئة المصالحة التي انطلقت من العلا قبل ثلاثة أعوام، فمرّت بعواصم الخليج، ومصر، وصولاً إلى أنقرة وصنعاء، وانتهاء بطهران والخرطوم، تقودها السعودية اليوم إلى دمشق.
 
أزيحت العقبات التي عرقلت السكّة، وتبدّلت دوافع المعرقلين؛ فلا تركيا مستعدّة لتحمّل الفاتورة السياسية، والاقتصادية، والانتخابية للاجئين والمعارضين والجماعات المسلّحة، ولا مواصلة النزيف في حلب وإدلب والأراضي الكردية؛ ولا إيران قادرة على تمويل المليشيات العربية والأفغانية والباكستانية، ودعم الجيش السوري، وتزويد الحكومة بالوقود والقمح والدولار؛ ولا روسيا بوارد مواصلة الإنفاق على التدخّل، وتقديم دعم عسكري بات مطلوباً للدفاع عن الوطن الأم.
 
العوامل العربية والدولية
وفي الجانب الآخر، بات الجار العربي مثقلاً بعبء اللاجئين، وتهريب المخدرات، والمناوشات الحدودية. والأوضاع الاقتصادية والمجتمعية لم تعد تتقبّل مسؤولية ملايين اللاجئين الباحثين عن عمل وتعلّم وطعام وعلاج. وما الاعتداءات الأخيرة على المخيمات السورية في لبنان إلا نذر مواجهة كارثية، أخطر وأوسع نطاقاً من مذبحة المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا، قبل أربعين عاماً.  
 
ساهم في تقريب  المسافة الاتفاق السعودي - الإيراني، والتفاهم السعودي مع روسيا وتركيا، والزيارات المتبادلة بين دمشق والرياض، واجتماع جدة الرباعي الذي ضمّ، بالإضافة إلى الدولة المستضيفة، مصر والأردن والعراق، وما تلا ذلك من توافق  في عمّان بين هذه الدول وسوريا على التوصل إلى خريطة طريق، تقبّلها السوريون، واعتمدها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأحد الماضي في القاهرة.
 
على خطى العرب
تعتمد الخطة على مبدأ "خطوة مقابل خطوة". تنفّذ دمشق اتفاقاً أو مطلباً، فتردّ العواصم العربية بخطوة تقارب أو تعاون أو مساعدة. ووضعت آلية متابعة لتنفيذ الاتفاق تديرها لجنة اتصال وزارية مكونة من "الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر والأمين العام"، لمتابعة تنفيذ بيان عمان، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل إلى حلّ شامل للأزمة السورية.
 
تذكّرنا التسمية بسياسة الخطوة فالخطوة التي وضعها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كسنجر، لحلّ الصراع العربي - الإسرائيلي، مع اختلاف مهم، هو أن سياسته تقوم على خطوات صغيرة متتالية على طريق السلام، فيما تنصّ سياسة الجامعة العربية، كما شرحها أمينها العام، أحمد أبو الغيط، على مكافأة ومقابلة الخطى الصحيحة بما تستحقّ.
 
المعاناة الإنسانية أولاً
نوقشت خلال تلك الاجتماعات أدقّ التفاصيل والمسائل الفنية والإجرائية، وجرى التفاهم على جميع الخلافات، والاتفاق على العمل عاجلاً على حلّها مرحلياً، وكليّاً. ولأن المعاناة الإنسانية هي الأكثر إلحاحاً، فقد تمّ التأكيد على فتح المزيد من المنافذ البرية والبحرية والجوية لوصول المساعدات إلى ضحايا الزلازل والحرب الأهلية.
 
يلي ذلك تهيئة البيئة المناسبة والآمنة لعودة اللاجئين تدريجياً إلى مدنهم وقراهم، بإلغاء الأحكام ضدهم، وعدم تجنيدهم أو محاسبتهم، وتسهيل وصولهم وإقامتهم، وتقديم العون لهم حتى يعيدوا بناء ما تهدم وإصلاح ما تخرب، وتوفير  الخدمات الأساسية وفرص العمل والتعليم لهم.
 
مطالب عاجلة
وعلى رأس القائمة أيضاً، مواجهة الجماعات الإرهابية والتفلّت الأمني وعصابات زراعة وتصنيع وتصدير المخدرات وطرد المليشيات الإرهابية ومغادرة القوات الأجنبية وتقليص الهيمنة والتدخّلات الخارجية.
 
كذلك تمّ الاتفاق على العودة إلى المسار السياسي والتصالحي بناء على المرجعيّات الدولية، وأهمّها مخرجات جنيف - 1، وقرار مجلس  الأمن 2254، بما يضمن عودة المعارضة خارج البلاد، ومشاركة الجميع في عملية الانتقال السلمي للسلطة، حسب معطيات اللجنة الدستورية وبإشراف عربيّ وأمميّ.
 
المقابل العربي
في المقابل، سيقدّم العرب كلّ العون للحكومة السورية في تنفيذ تعهداتها، ودعم حقها وجهودها لاستعادة وحدة أراضيها؛ وفي الوقت نفسه، تلبية احتياجاتها المؤسّساتية للقيام بواجباتها، ومساندة الاقتصاد السوري، وتوفير ما تحتاجه البلاد عاجلاً من مشتقّات الوقود والغذاء والدواء.
 
كذلك ستتكاتف هذه البلدان في المحافل الدولية لدعم استعادة دمشق مكانتها الطبيعية، وتشجيع البلدان العربية على تطوير علاقاتها البينية معها، وتشجيع السياحة والاستثمار والمشاركة في مشاريع التعمير وإعادة البناء، إضافة إلى فتح المنافذ والطرق وخطوط الطيران المباشر.  
 
واعتباراً من تاريخ الاجتماع الوزاري الأحد الماضي، سترحّب الجامعة العربية بمشاركة الوفود السورية بشكل فوريّ في جميع الفعاليات واللجان والاجتماعات، بما فيها قمة الرياض المقبلة. تحفّظت بعض الدول، ولكنها توافقت مع الأغلبية على تنفيذ القرار.
 
الموقف الغربي والشرقي
عارضت أميركا التوجه العربي لإعادة تأهيل النظام السوري دولياً، واستعادة دمشق في المنظومة العربية، وعودتها إلى مقعدها الخالي منذ 11 عاماً. وأبدت واشنطن شكوكها تجاه جديّة القيادة السورية ومدى التزامها بتنفيذ أيّ اتفاق معها، وأعربت عن عدم تقبّلها لتقديم صكوك الغفران لما تعتبره جرائم حرب وانتهاكات إنسانية قام بها مسؤولون على رأس الهرم، ولا بدّ من محاسبتهم عليها.
 
ويميل الاتحاد الأوروبي وحلفاء الولايات المتحدة إلى موافقتها، وإن بدرجات متفاوتة وأقلّ حدّة ووضوحاً. ويحظى الموقف العربيّ بدعم القطب الشرقيّ، الذي تقوده روسيا والصين.
 
غياب الحلّ وحضوره
على أن المعارضين لا يقدّمون حلاً أفضل، وليس لديهم وصفة سحريّة أو واقعية لحلّ الأزمة السورية؛ وبعضهم فاقم المشكلة بالتدخلات المباشرة ودعم جماعات مسلّحة واحتلال مناطق ونهب خيراتها. وبالتالي، لا يحقّ لهم رفض المقاربة العربية. ولعلّ البيان الأميركي أدرك محدودية دور وموقع واشنطن في الحلّ عندما تفهّم وأثنى على الأهداف العربية في هذه المبادرة، وإن شكّك في إمكانية تحقيقها.  
 
الكرة اليوم في الملعب السوري؛ فإن حسنت النيّة، ونشطت الهمّة، وتحقّقت الوعود، تسارعت خطى العودة إلى الحاضنة العربية والمجتمع الدولي، وإصلاح ما أفسدته الحرب، واستعادة ما تقاسمته القوى الغاصبة.
 
مرحباً بسوريا ”العربية" في  الجامعة العربية، وأهلاً وسهلاً برئيسها في الرياض "بيت العرب".
 
‏@KBATARFI
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم