الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

لبنان والخليج… ماذا تعني عودة السفراء؟

المصدر: "النهار"
عودة السفراء "النهار".
عودة السفراء "النهار".
A+ A-
د. خالد محمد باطرفي
 
 
يتساءل كثير من المراقبين عن سرّ عودة السفيرين السعوديّ والكويتيّ الى بيروت في هذا التوقيت، ويطرحون تساؤلات عديدة وتفسيرات متنوّعة لشرحها.
أحياناً يكون التفسير الأسهل والأقرب هو الأصحّ. فكثرة القراءات بين السطور، وتدوير النظريات وربط الأحداث البعيد منها والقريب، واستحضار الماضي واستدعاء المستقبل للتفسير الآني، هو تعقيد يخرج النصّ من سياقه، ويخلط الأوراق، و "يصنع من الحبّة قبّة" أو "زرّ تخاط عليه بدلة".
 
مشكلة تراكميّة
تقودني متابعتي للأحداث والتطورات في ملفّ الأزمة الخليجية اللبنانية الى قراءة أكثر بساطة ومنطقية. فالمشكلة تراكمية، وبدايتها تعود إلى مرحلة ما بعد اتّفاق الطائف عام1989، عندما نزع السلاح من جميع الطوائف إلّا طائفة واحدة، وحرم الانتماء الخارجيّ على كلّ الأحزاب إلّا حزباً واحداً.
 
ولكن رغم الدعم الخليجي الهائل للحكومات اللبنانية المتعاقبة، مادياً وسياسياً، أمنياً وعسكرياً، إقليمياً ودولياً، إلّا أنّ هيمنة الحزب الواحد على الدولة اللبنانية تعاظم بالتعاضد مع قوى أجنبية، وبالتحالف مع ميليشيات عابرة للحدود، من أفغانستان وباكستان وإيران الى العراق وسوريا واليمن.
 
كوارث ومواجهات
وبلغت المواجهة أقصاها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ونخبة من رجالات الدولة والإعلام المعارضين لهذا التغوّل الأجنبيّ والهيمنة العجمية على عروبة لبنان. وباستدراج إسرائيل الى حرب مدمّرة تحمّلت دول الخليج فاتورتها. وبمشاركة في حروب إقليمية نيابة عن الحرس الثوري، وباسم لبنان، تضرّرت منها دول عربية. وكانت آخر هذه التدخلات والغزوات تهريب المخدرات والسلاح والإرهاب الى دول الخليج، وإنشاء خلايا إرهابية وتدريب مليشيات انقلابيّة وتوريد أسلحة نوعية استخدمت في قصف المناطق المدنية والمواقع النفطية والتنموية.
 
وفي لبنان، توالت المآسي من استنزاف الخزينة وسرقة ودائع البنوك وتخريب الاقتصاد وتحويل السوق اللبناني إلى بيئة طاردة للاستثمار المحلي والعربي والأجنبي، الى إفساد الحياة السياسية والإدارية والثقافية، الى توتر البيئة المجتمعية والأمنية والعلاقات الدولية. وجاء تفجير مرفأ بيروت وتدمير الواجهة البحرية وأحياء كاملة، وتعطيل التحقيق فيه، وضياع حقوق الضحايا نتيجة حتميّة لكلّ ما سبق.  
 
حكومات وشعوب
حكومة تقوم وأخرى تسقط، وتحالفات تبنى وتتفكّك. تعطيل لمؤسسات الدولة، واختراق وتخريب ممنهج لها. وحرف مستمرّ لبوصلة علاقاتها الخارجية عن محيطها العربي، ورعاتها الدوليين، باتّجاه دولة واحدة لا يربطها بلبنان تاريخ ولا ثقافة ولا قومية. ولا تحقّق له مصالح استراتيجية أمنية وتنموية.
 
وفي المرحلة الأخيرة من هذا التوجّه والتوجيه شعرت الدول الخليجية بأنّ هناك استجابة أكبر لهذا التصعيد تجاهها من مؤسّسات الدولة الثلاث، الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان، وتغاض من مؤسساتها الأمنية والعسكرية والاستخباريّة. فتصدير الارهاب والمخدّرات والمشاركة في الصراعات لم تتصدّ لها أجهزة الدولة وواكبتها حملات إعلامية شارك فيها وزراء ونواب وأحزاب. كما تكرّر التهديد للسفارات والسفراء وفرض ذلك قيوداً مشدّدة على تحرّكات الدبلوماسيين تأميناً لحياتهم.
 
عودة السفراء
لم يكن من السهل التخلّي عن لبنان، والاستثمار الهائل الذي تواصل سبعة عقود في استقراره وأمانه وازدهاره. وليس من السهل التخلّي عن الشعب اللبناني الشقيق، الذي تربطه بشعوب المنطقة أوثق الصلات. حيث يتواجد في بلدان الخليج وحدها نصف مليون لبناني. كما لا تقبل الحكومات العربية بالتنازل عن بلد مؤسس للجامعة العربية وجزء أصيل في كيان الأمة وثقافتها وتاريخها لغيرها.
 
لهذه الأسباب لم تطل غيبة السفراء وعادت بعد قبول الحكومة اللبنانية بمتطلّبات العودة، كما أوضحتها المبادرة السعودية الفرنسية، وفصلتها رسالة مجلس التعاون الخليجي التي سلمها وزير الخارجية الكويتي للرئيس نجيب ميقاتي مؤخراً.  وعلى رأسها الالتزام بسياسة النأي بالنفس بكلّ ما تعنيه من ضبط للقوى المارقة العابرة للحدود والمتدخلة في شؤون البلاد العربية والعابثة بأمنها وسلمها الاجتماعي.
ولا شكّ أنّ مناشدة القوى السياسية المعتدلة والعروبية والقيادات الدينية للحكومات الخليجية لعدم ترك لبنان لقمة سائغة لإيران ومواليها كان سبباً هامّاً لهذه العودة.
 
الدعم المستمرّ
على أنّ الدعم الخليجي للشعب اللبناني لم ينقطع يوماً، فمركز الملك سلمان للإغاثة واصل تقديم المساعدات التنموية والإنسانية مباشرة للشعب اللبنانيّ، ومن خلال مؤسسات خيريّة وصحيّة، محليّة ودوليّة. وكذا فعلت المؤسسات الموازية في بلدان الخليج العربي.
 
كما حرصت هذه الدول على عدم الإضرار بمصالح وتواجد الجاليات اللبنانية فيها، أو تعطيل تحويلاتها المليارية الى أسرهم وتبادل الزيارات معهم. وتواصل هذه الدول مشاركتها مع الدول المانحة ومشاوراتها مع الدول الراعية، خاصّة فرنسا والولايات المتحدة، ومع المؤسسات الدولية المعنية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لمساعدة الحكومة اللبنانية في وضع خطّذة شاملة وعملية للإنقاذ والإصلاح.  
 
شروط البقاء
ويبقى التنويه بأنّ عودة السفراء لا تعني العودة الى العصر الذهبي للعلاقات الخليجية اللبنانية، وإنّما العودة الى ما كانت عليه قبل سحب السفراء. وبالتالي، فلا يتوقع استئناف تصدير المنتجات الزراعية الى هذه الدول أو سفر المواطنين الخليجين الى لبنان في المرحلة الحالية.
 
فيما تستمر الحكومات الخليجية في تقييم التزامات الحكومة اللبنانية بتعهداتها، ولن تتهاون في التعامل مع أيّ تجاوز أو إشارة سلبية. الكرة في الملعب اللبناني اليوم، والأمل والعشم في أن تحسن حكومة ميقاتي استغلال الفرصة المتاحة. فالفرص الاستثنائية لا تتكّرر.
 
‏@kbatarfi
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم