الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

"تفاهم مار مخايل" يترنّح تحت ضربات الانتفاضة

المصدر: "النهار"
النائب جبران باسيل والقيادي في حزب الله محمود قماطي.
النائب جبران باسيل والقيادي في حزب الله محمود قماطي.
A+ A-
غسان صليبي
 
يكثر الحديث هذه الأيام عن مصير "تفاهم مار مخايل" بعد الانتقادات المتكرّرة التي يوجّهها "التيار العوني" لـ"حزب الله"، حيث يتبنى هذا النص فرضيتين. الأولى أن "تفاهم مار مخايل" يترنّح، والثانية أن الانتفاضة هي أوّل من تسبّب بهذا المصير البائس.

طرفا "تفاهم مار مخايل" لا يعترفان بترنّحه. فقد جدّدا التمسّك به الواحد بعد الآخر، فيما كانا يؤكّدان في الوقت نفسه اختلافهما في قضايا أساسية، جعلت أنصارهما يتبادلان الانتقادات والمعاتبات. صحيح أن هذا النوع من "التفاهمات" لا يترنّح بسبب الاختلاف على قضايا جوهرية، فقد تمّ أصلاً بين طرفين كانا يختلفان تقريبا على كل شيء، ما عدا تقاسم النفوذ. طرف حمل معه إلى "التفاهم" شعارات العلمانية والدولة واستقلال الوطن، وطرف آخر حمل معه شعارات الدولة الدينية والدويلة والتبعية للمحور الإيراني.
 
واضح وضوح الشمس، أن الطرفين من حيث الشعارات نقيضان سياسيان.
 
 سبق وكتبت، أن "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، تفاهما ببساطة ودون تبسيط، على أن يحصل الأول على "الواقع" مقابل أن يتبوّأ الثاني "المواقع". وكل ما عدا ذلك هو ثانوي في إعتقادي، وقد جرى "تفهّم" الطرفين ضرورة إغفال "كل ما عدا ذلك" والتعامي عنه طيلة الفترة السابقة. المصيبة التي حلّت، وببساطة أيضا وبدون تبسيط، هي أن "الواقع" جرى الانتفاض عليه قبل أن ينهار ولم يعد من فائدة لـ"المواقع"، فعَلا صوت "التيار الوطني الحر". كل الديباجات "الفكرية" حول أسباب الخلاف التي يجهد جبران باسيل لتسويقها، من مسألة الفساد أو بناء الدولة وضرورة أن تكون المقاومة في كنفها، هي خارجة عن الموضوع.
 
انهيار "الواقع" لا يؤذي فعلياً "حزب الله"، فواقعه هو لا يزال بألف خير بسبب الدعم المالي الإيراني والمؤسسات التي عرف كيف يبنيها بدعم من الجهة نفسها. لكن الانتفاضة انتقدت هذا "الواقع" الذي كان مسكوتاً عنه قبل أن ينهار، والذي كان يسيّطر عليه "حزب الله" بتواطؤ مع "التيار الوطني الحر" وباقي أطراف السلطة. وقد شكّل ذلك إدانة لـ"حزب الله" قبل غيره، رغم أن الانتفاضة حمّلت المسؤولية لـ"كلن يعني كلن". لكن في الوقت نفسه، كانت هذه المرة الأولى التي يُعتبر فيها "حزب الله" واحداً من هؤلاء الـ"كلن".
 
كان يمكن أيضا لعدم فائدة "المواقع" بعد انهيار "الواقع"، ألا تؤذي "التيار الوطني الحر" الذي كان باستطاعته البقاء هنيئاً في هذه المواقع، لولا أن الانتفاضة لم تطله مباشرة عبر استهداف جبران باسيل الذي تحوّل إلى الشخصية السياسية الأكثر مكروهية في لبنان، خاصة في البيئة المسيحية، التي كان يعوّل عليها "حزب الله" في تفاهمه مع "التيار". وها هو "حزب الله" يستكمل القضاء على "المواقع" من خلال تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء في أواخر العهد.
 
ضربت الانتفاضة إذا أحد طرفي "التفاهم" مباشرة، لكنها أصابت أيضا الطرف الثاني رغم أنها تفادت الاصطدام به. ذلك أن هذا الطرف الثاني تطوّع لمواجهتها علناً بالموقف وعلى الارض، ووضع نفسه في موقع الاتهام. واكتمل محضر الاتهام بعد انفجار المرفأ، عندما عُلّقت المشانق في ساحة الشهداء وكان بين المنفّذ بهم حكم الإعدام الرمزي، عون ونصر الله وباسيل، أي رموز "التفاهم".
 
لا اعتقد أن معظم مجموعات الانتفاضة تعي أنها هي التي وجّهت الضربة الأقسى لـ"تفاهم مار مخايل." لأنها وضعت هدفاً هو إسقاط "المنظومة" بأكملها وفشلت، لم تنتبه الانتفاضة أنها زعّزعت أركان "التفاهم" وهي في طريقها إلى إسقاط "كلن يعني كلن". ولعلّ هذه النتيجة - غير المقصودة - للانتفاضة، تلقي الضوء أكثر من الشعار الذي رفعته، على الخصوم الفعليين لها، والتي اصطدمت مصالحها بمصالحهم.
 
أسوّق هذه الملاحظات وفي نيتي القول إن الانتفاضة لم تفشل في الواقع إلّا في تحقيق شعارها "كلن يعني كلن"، ليس لأنها كانت منقسمة كما يردّد كثيرون، بل لأن الشعار الذي كان صحيحاً عندما أسقطت حكومة الوحدة الوطنية التي كان يترأسها الحريري، لم يعد صحيحاً، لا بل أصبح مضلّلاً وبدون فاعلية سياسية، بعد أن سيّطر على السلطة قسم من "كلن يعني كلن"، بقيادة طرفي "التفاهم".
 
عندما نقيّم تحركاً ما، نقارن عادة بين أهدافه وما تحقق منها، فإذا تطابقا إلى حد مقبول نقول إنه نجح، وإذا لم يتطابقا بنسبة كبيرة نقول إنه فشل. هذا يصح إذا كانت الأهداف فعلاً متناسبة مع طبيعة التحرك. أما إذا كان التحرّك، بوظيفته الفعلية وليس المفترضة في الصراع الاجتماعي، كان يحمل في طبيعة تكوينه وبممارساته، أهدافاً مختلفة عن الأهداف التي دعا إلى تحقيقها، فينبغي لنا في هذه الحال، ومن أجل تقييمه، أن نقارن ما حققه بما سعت إليه ممارساته فعليا على الأرض.
 
بهذا المعنى، يمكنني أن أقول إن الانتفاضة حقّقت جزءاً مهمّاً من أهدافها الفعلية، من خلال المساهمة في ترنح "تفاهم مار مخايل"، الذي لعب منذ اتمامه سنة ٢٠٠٦، الدور الأكبر في ما وصلنا اليه من تركيبة سلطوية، مؤلّفة من رئيس الجمهورية والمجلس النيابي الحاليين، والحكومات المتعاقبة. هذه التركيبة هي ما حاولت الانتفاضة مواجهتها، لكنها بدل أن تصفها وصفاً نوعياً يكشف بنيتها الداخلية، لجأت إلى الوصف الكمّي رافعة شعار "كلن يعني كلن"، الذي بات اليوم يوحدهم "كلن". فأصبحوا يستخدمونه، من خلال التأكيد أنه لا يمكن محاكمة طرف من دون محاكمة الآخرين، أي عملياً، عدم محاكمة أي طرف، تحت شعار "لا للاستنسابية"، أي لا لتمييز "كل واحد منن عنهن كلن".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم