الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بكينا فلسطين فهل سنبكي لبنان؟

منى فياض
العلم اللبنانيّ وسط دخان الإطارات المشتعلة (حسن عسل).
العلم اللبنانيّ وسط دخان الإطارات المشتعلة (حسن عسل).
A+ A-
يكثر الحديث عن لبنان "العصفوريّة" هذه الأيّام. والعصفوريّة تعني بيت المجانين. لكن ألطف ما قرأت في خصوصها تعريف أحدهم:

"قطعة أرض مساحتها 10452 كيلومتراً مربّعاً تقع على الشاطئ الشرقيّ للبحر الأبيض المتوسّط، تحدّها فلسطين وسوريا، يتقاتل كلّ من فيها ضدّ كلّ من فيها، وشعبها يعتقد أنّه أذكى شعوب العالم، ويعيش في القرون الوسطى بلا كهرباء ولا ماء، والعصفوريّة غارقة في دَين عامّ يتخطّى المئة مليار دولار، وغارقة في الفساد والتلوّث، و90% من شعبها موالٍ لدول الجوار: سوريا، السعودية وإيران. وتأكيداً على جنونهم يحتفلون بعيد الاستقلال".

في الحقيقة، الشعب اللبنانيّ لم يحتفل بعيد الاستقلال. لبنان الرسميّ هو الذي احتفل باستقلال يجهد يوميّاً لإلغائه ويرهنه لإرادة جهة سياسية تتبع لمحور "ممانعة" لم يدخل بلداً إلّا وجعله خراباً، وبدل أن يحرّر فلسطين احتلّ لبنان.

هذه الجهة تعطّّل حكومته وتريد "قبع" القاضي الذي لا يخضع لإملاءاتها، وصولاً إلى تدمير مؤسسة القضاء بأكملها أو تطويعها. تدّعي على فارس سعيد، لأنّ المطالبة بالحقيقة وبالسيادة يترجمونها "إشعال حرب أهليّة". تردّ على مطالبة البطريرك بالحياد، بفرض الانحياز و"العيش المشترك" الذي يعني: نريدكم معنا لنحكمكم. هذه الجهة تمحي عروبة لبنان، ما يجبر الساديين على إطلاق نداء يؤكّد عروبته، لكن دون التجرّؤ على ذكر إيران التي تلغيها عمليّاً.

مجمل التمارين التي حصلت في الأيّام القليلة الماضية، تعطي فكرة عن وضع الجمهوريّة التي أصبحت مركباً تائهاً تقوده دويلة بمجدافين مستعارَين من إيران. ففي الوقت الذي كان يغادر فيه رئيس الجمهوريّة الأراضي اللبنانيّة للمشاركة بنشاط قطر الرياضيّ، كان المواطنون يتأهّبون للنزول الى الشارع لعجزهم عن تأمين قوت عائلاتهم وحاجاتهم اليوميّة. فلقد انزلق أكثر من 80% من الشعب نحو الفقر المدقع بحسب إحصاءات الأمم المتّحدة. يوميّاً نسمع عن حكايات جوع الأطفال وعدم قدرة الأهل على تزويدهم بما يكفيهم من طعام للمدرسة، ناهيك عن تأمين قسط المدرسة أو ثمن الدواء.

لكن من يلتفت الى هذه الترهات أمام "المقاومة التي تبقى الحِصن القويّ لحماية لبنان وقوّته في صونه ومنعته أمام كلّ التهديدات"!! حَسَبَ ما يخطب فينا نائب الحزب محمّد رعد؟

لكن يبدو أنّ المعترضين في تظاهرات الاثنين لا يوافقونه، فلقد أكّد أحدهم: "أنّ بيروت التي تصدّت للعدو الإسرائيليّ في العام 1982 تتصدّى اليوم للظلم الذي يواجه أهلها في معيشتهم".

يعني انّ ما يحصل ظلم يعادل ظلم الاحتلال. وما يهدّدهم اليوم في حياتهم لا يقلّ خطراً عن التهديد الذي شكّله الاحتلال الإسرائيليّ في العام 1982.

لكن ليس وضع اللبنانيين ما يشغل بال رئيس جمهوريّتنا، بل فقط ماذا سيفعل عندما يحين موعد انتهاء ولايته؟؟ فاللبنانيّون لا يطيقون انتهاء عهده المزدهر، فيطمئنهم من قطر:" "لن أسلّم الفراغ". بمعنى انّه سيبقى في منصبه فيما لو تعرقلت الانتخابات النيابية. لكنّه يستدرك أنّه "سيغادر قصر بعبدا عند انتهاء ولايته، ولكنّ إذا قرّر مجلس النوّاب بقاءه فَسيبقى".

مشكور الرئيس على هذه التضحية الكبيرة. يبدو أنّه يجهل أنّ ما نعيشه أسوأ من الفراغ. فربما لم يصل إلى مسامع فخامته خبر اللبنانيين الذين يرمون بأنفسهم في أحضان الموج، ليس بحثاً عن أسواق جديدة يتاجرون معها، بل هرباً من جحيم الجمهوريّة المقاومة ورئيسها القويّ، الذي لم يُجِب عندما سئل عن مصير الوزير المبجّل القرداحي.

أُوصل لبنان الى الحضيض، بخطّة محكمة ومتدرّجة بدأت منذ الثمانينات، وتفعّلت في العام 2000، وظلّت في الظلّ، فلم تظهر إلى العيان إلّا ببطء، منذ اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من أحداث. ظلّت الخطّة موضع شكّ وعدم يقين عند البعض، حتى جاء انتخاب "الماروني القويّ" الذي شكّل الغطاء والرافعة للمشروع الذي انكشف تماماً، فكشّر عن أنيابه بعد أن عاين رفض غالبية اللبنانيين ومقاومتهم له. إنّهم يرفضون الاحتلال ويريدون إيران "برّا". الآن، سيستخدم كلّ الوسائل للحفاظ على مكتسباته. إدامة الانهيار الاقتصاديّ ليس سوى أحد أدوات الخطّة ووسيلتها لسحق كلّ معارضة.

حبّذا لو تسنّى لمؤلّفَي كتاب "لماذا تسقط الدول"، الاطّلاع على تجربة لبنان في السقوط المريع والانهيار، لكانا وفّرا على نفسيهما الكثير من التعب. فلقد استعرض دارون اسيموغلو وجيمس روبنسون في كتابهما، النظريات الاقتصادية التي حاولت تفسير التفاوتات في نموّ الدول وتطوّرها وأظهرا تقصيرها. من فرضيّة الجغرافيا، التي كان مونتسكيو أوّل من طرحها، فأكّد لعب المناخ الحارّ الدور الأساسيّ في فشل الدول وتأخّرها؛ إلى الفرضيّات الثقافية التي كان رائدها ماكس فيبر، التي يقبلها المؤلّفان بتحفّظ. فصحيح انّه من الصعب تغيير الأعراف الاجتماعيّة وتلك المرتبطة بالثقافة، وأنّها مهمّة لأنّها تظهر الاختلافات المؤسّسيّة المرتبطة بالثقافة أحياناً، لكنّها في الغالب لا تؤثّر ولا تفسّر لماذا وصلنا الى هنا ولماذا تستمرّ اللامساواة.

بينما أكّدا على دور الأحداث التاريخيّة، بدلاً من العوامل الثقافيّة، في تشكيل المسار الاقتصاديّ، فاتّخذا الشرق الأوسط نموذجاً. فعندما استغلّ محمد علي ضعف سيطرة العثمانيين على الأراضي المصريّة وحكم مصر بين 1805 و1848، استطاعت ان تسير في طريق التغيير الاقتصاديّ السريع، وتمكّن من تأسيس سلالته الخاصّة، التي حكمت بشكل أو بآخر حتّى الثورة المصريّة في عهد عبد الناصر في العام 1952. إصلاحات محمّد علي، وإن كانت قسريّة، جلبت النموّ لمصر باعتبارها بيروقراطيّة الدولة .

فإذا كان للأحداث التاريخية دوراً مهمّاً، إضافة الى العامل السياسيّ الذي يهمله الاقتصاديّون عموماً، حينها كان يمكن للمؤلّفين توفير جهد البراهين الكثيرة لعدم كفاية الفرضيّات والنظريّات الاقتصاديّة التقليديّة، وخصوصاً تلك التي تفسّر فشل الدول بالجهل التقنيّ بالاقتصاد. كان النموذج اللبنانيّ سيعطيهم كلّ البراهين الضروريّة مجتمعة، كيف انّ السياسات وإدارة المؤسّسات، وخصوصاً المقصودة، هي التي تدهور أوضاع الدول. كما حصل في بعض تجارب دول أفريقيا التي افتقر سكّانها جرّاء حقوق الملكية والمؤسّسات الاقتصادية. لقد سمحوا بهذه السياسات ليس بسبب اعتقادهم أنّها خطط اقتصادية جيّدة، بل لأنّها تمكّنهم من الإفلات من العقاب وإثراء أنفسهم على حساب البقية. كانت الطريقة التي تسمح لهم بالحفاظ على أنفسهم في السلطة عن طريق شراء دعم المجموعات أو النخب المهمّة.

إنها الوصفة اللبنانيّة نفسها لوضع اليد عليه. فمن أعلن إفلاس الدولة اللبنانيّة كان يعرف تماماً ماذا يفعل. ومن يعطّل الحكومة الآن يعرف تماماً ماذا يفعل. ومن يضرب القضاء، ويريد تعطيل الانتخابات وتكسير الصناديق عندما يرى انّها ليست لصالحه؛ كلّها سياسات مقصودة لتيئيس اللبنانيين وتركيعهم.

كلّما مرّ الوقت كلّما ازداد الوضع تعقيداً.

بكينا على فلسطين، فهل سنبكي على لبنان؟ على اللبنانيّ التصرّف بناء على ذلك؟ فما هو فاعل؟
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم