الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

أثر الوصاية على الاستقرار العربي

المصدر: "النهار"
خالد الطراح
خالد الطراح
من تظاهرات الربيع العربي (أ ف ب).
من تظاهرات الربيع العربي (أ ف ب).
A+ A-
حين تستقر الشعوب خصوصاً في الدول المضطربة سياسياً واقتصادياً، تستقر حينها سيادة الدولة ومؤسساتها، وهذا الاستقرار غير وارد في ظل الوصاية المتفشية من التكتلات السياسية والنيابية نتيجة سياسة المحاصصة السياسية، التي عصفت بدول وشعوب من دون نهاية، وهو ما يتطلب من الساسة وزعامات الطوائف السياسية والدينية ان تطوي إلى الأبد هذه الصفحات المقيتة من التاريخ.
 
نحن نواجه اليوم تحديات غير مسبوقة في العالم العربي الذي يزداد اضطراباً يومياً، بينما يتوه صوت شريحة مؤثرة من المجتمع وهي الشباب أي جيل اليوم والأجيال القادمة، حيث لم يعد للنظريات التقليدية والرؤى التي غمرها الغبار الزمني، حيّزاً مقبولاً عند فئات وشرائح من صنّاع المستقبل.
 
هذا لا يعني إلغاء النظريات والمكتسبات التاريخية السياسية والاقتصادية والتنكر للعلوم بشتى ميادينها، وإنما هي بالواقع دعوة لتجديد لغة الحوار على أساس براغماتي، لتستفيد جميع الشعوب والبلدان من التغيير السياسي الحتمي ومواكبة عقول نيّرة وواعدة، يمكنها أن تثري التطوير بلغتها وسلوكها الاجتماعي والفكري الجديد.
 
في أزمنة سابقة، تداعى عدد كبير من المفكرين خلال عقود من التاريخ إلى تناول جوانب مهمة من حياة الإنسان والمجتمع ككل، في تفسير حجم الضرر الذي يقع على الإنسان حين يفقد حريته وكرامته مجبراً، نتيجة نهج قمعي للعديد من الأنظمة التي تخطف من الفرد حريته وكرامته بقوة سلطة مستبدة، إلا أن هناك من فسر الخنوع والاستسلام لاغتصاب الحرية والكرامة بخيارات وقرارات طوعية للفرد بذاته!
 
تناول المفكر الفرنسي (Étienne de La Boétie (1530-1563 ضمن كتابه الشهير "العبودية المختارة" "The Discourse of Voluntary Servitude"، خيارات الإنسان بالتنازل بمحض إرادته عن حقوقه وحريته، وأن يصبح بالتالي "عبداً" أي خاضعاً وتابعاً كالقطيع للطرف الأقوى والمهيمن في المجتمع والدولة على مختلف مستويات الحياة إلى درجة التحكم بميزان العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية.
 
لاشك أن ثمة قيمة علمية للكتاب السابق الذكر وأهدافه ومضامينه مثل كتب وإسهامات أخرى، ولكن ما يتميز فيه كتاب "العبودية المختارة" هو التناول العميق لعلاقة الأديان والمجتمع والأنظمة، من جوانب عديدة كالقيم المجتمعية والعادات والكرامة ونفوذ السلطة السياسية في استغلال الدين والظروف والتحديات الاجتماعية والاقتصادية في فرض وضع استبدادي وهي معركة غير متكافئة بين من يملك السلطة ومن يخضع لها طوعياً أو إجبارياً.
 
لكن في الضفة الثانية من هذا الزمن الذي تعيشه اليوم، هناك سلسلة من المتغيرات الاجتماعية والسياسية والتقنية التي تفرض نفسها على تطوير المفاهيم التاريخية من أجل تحقيق التلاقي العملي والعلمي بين تحديات تقليدية وتحديات المرحلة الراهنة، من دون نزع القيمة العلمية لكافة النظريات التي كثيراً ما بنيت بعيداً من تسييس الأديان والسيطرة على مفاصل الدولة.
 
قد ينجح عدد من الساسة في التغيير المأمول، ولكن حتماً لن يستطيع هؤلاء وحدهم إحداث التغيير المنهجي السلمي والمدني في الدولة، فمثل هذا التغيير المنشود لا يمكن أن يقوم على أفراد، وإنما على مؤسسات المجتمع المدني مع تنازل فعلي وعملي للزعامات الدينية والطائفية نحو تحقيق الهدف الأكبر والأسمى وهو قيام الدولة المدنية.
 
يخطئ من يقلل من دور وأهمية شريحة الشباب في صياغة المستقبل السياسي، فهم أي الشباب، الذين يشكلون الغالبية في معظم المجتمعات، يحتضنون الحماس والطاقة وقادرون على إحداث التغيير والتجديد إذا ما توافر دعم قادة الفكر والرأي والنخب المستقلة في المجتمع من المؤيدين في إشراك الشرائح الشبابية الواعدة. فتحديات اليوم والمستقبل تستوجب المشاركة المجتمعية الواسعة من كافة مكونات نسيج المجتمع المدني. 
 
كلما استطاعت الشعوب العربية الخروج من ثوب الوصاية الدينية والطائفية الداخلية، كلما بات الاستقرار السياسي هدفاً غير مستحيل وعاملاً صلباً في صد الوصاية الخارجية، التي تتذرع بالنزاعات العرقية والدينية في الوطن العربي وتلتف حول إشعال نيرانها!
 
 
* كاتب كويتي
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم